امتد الصراع في القرن العشرين بين أمريكا الرأسمالية والاتحاد السوفيتي السابق نحو سبعين عاما كاملة، ظهرت خلالها ثنائيات شهيرة تعبيرا عن وجود ونفوذ القطبين مثل فيتنام الجنوبية وفيتنام الشمالية ، كوريا الجنوبية والأخرى الشمالية، وظهر في منطقتنا اليمن الجنوبي واليمن الشمالي، ووقفت أغلب النظم العربية حينذاك وقفة رجل واحد في مواجهة الشيوعية. وخلال سبعين عاما من العداء أشهرت أمريكا قائمة طويلة باتهامات ثابتة ضد الشيوعية وأنفقت الملايين من أجل ترويج تلك القائمة ونشرها في كل ركن وصحيفة وإذاعة بكل لغات الأرض. وكانت الاتهامات معروفة تشتمل على انتهاك حقوق الإنسان ، ومصادرة الحريات وغياب الديمقراطية وحقوق التعبير، ثم اضطهاد القوميات( السوفيتية على الأقل)، وإشعال الحروب بغرض التوسع ، وخلق البؤر الإرهابية ، وإقامة الأحلاف العسكرية . هذه هي التهم التي اعتبرتها واشنطن " سياسة شيوعية " جديرة بالتصدي لها . ثم حدث ما يشبه المعجزة عندما زالت الدولة السوفيتية وزال معها مصطلح " إمبراطورية الشر"، وانسحبت روسيا من كافة مناطق الصراع الدولي، وقامت بحل حلف وارصو ، وتطبيق سياسة السوق الحرة والخصخصة وانكفأت على همومها الخاصة ، وفي مطلع أبريل 1991 لم يعد للحزب الشيوعي السوفيتي أي وجود رسمي وتعين على الحزب أن يسجل نفسه من الأول باعتباره حزبا جديدا لكي يدعو مرة أخرى لبرنامجه الذي طبقه من قبل سبعين عاما ! وسقطت كل التهم – كما هي العادة – حين فارق المتهم أو المدعى عليه الحياة، ولم يعد من الممكن لا قتاله، ولا عقابه، ولا حتى اتهامه بشيء. لكن العجيب أن أمريكا - بعد زوال الاتحاد السوفيتي – أخذت تمارس كل ما اعتبرته من قبل " جرائم شيوعية " ! وإذا كان انتهاك حقوق الإنسان جاء دائما في مقدمة الاتهامات الأمريكية ، فإن أمريكا مارست أحط أنواع انتهاك الحقوق الإنسانية في " جوانتانامو " و " أبو غريب " وغيرها ، وإذا كان غياب الديمقراطية ومصادرة الحريات جريمة شيوعية سابقة ، فقد ارتكبتها أمريكا حين فازت حماس بتصويت ديمقراطي بتشكيل الحكومة فحاصرتها أمريكا وعزلتها وأعطت إسرائيل الضوء الأخضر لإبادة سكان غزة عقابا لهم على الديمقراطية . وإذا كان إشعال الحروب بغرض التوسع تهمة شيوعية ، فقد شنت أمريكا أحقر حرب في العصر الحديث بغزوها العراق من أجل الهيمنة والنفط ، أما عن تهمة خلق " بؤر إرهابية " فقد ثبتت أمريكا بوجودها في أفغانستان مبدأ الاستشهاديين الذين يفجرون أجسادهم وكل ما حولها باعتبار أن ذلك هو الطريق الوحيد المتاح للتحرر. وكانت تهمة إقامة الأحلاف العسكرية تهمة شيوعية ، فلما زال حلف وارصو توقع البعض أن تقوم أمريكا بحل حلف الناتو أو تقليصه على الأقل ، لكنها مضت في ممارسة " الشيوعية " بمضاعفة قوة حلف الناتو ، وصولا إلي نشر درع صاروخي في أوروبا رغم أنه ما من عدو يهددها ، وما من شيء يمثل خطرا عليها . هكذا تنفذ أمريكا الحرة قائمة اتهاماتها السابقة للشيوعية بحذافيرها الآن، ويوميا. وإذا كانت أنظمة عربية عديدة قد اعتمدت في مرحلة ما خطة " معاداة الشيوعية " لما تمثله من مخاطر محددة فلماذا لا تعادي السياسة " الشيوعية " التي تمارسها أمريكا الآن ، والقائمة على المبادئ ذاتها : انتهاك حقوق الإنسان، وإشعال الحروب ، وإقامة الأحلاف العسكرية جدا ؟ واضطهاد القوميات ( الفلسطينيين على الأقل ) ؟ . وإذا كان البعض قد كره الشيوعية فإن عليه أن يكره أفعالها ، وسياساتها ، لا أن يعادي تلك السياسة مرة ثم يتفق معها هي بذاتها مرة أخرى لأنها تنطق بلسان آخر؟!
صارت أمريكا " شيوعية "، وعلينا الآن أن نعلن بصراحة أننا " ضد الشيوعية " لأنها – كما كنا نقول - لا تتفق لا مع قيمنا ولا مع مبادئنا.
الأحد، يونيو 1
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق