بقلم: د. هاني السباعي مدير (مركز المقريزي للدراسات التاريخية)
16 آذار 2010
قال الشاعر العربي:
بيضٌ صنائعنا سودٌ وقائعنا **** خضرٌ مرابعنا حمرٌ مواضينا
بالطبع لم يكن يدور في خلد الشاعر صفي الدين الحلي (ت 752 هـ) أن علم بني الصباح بألوانه الحالية مستوحاة من بيت شعر في قصيدته الرائعة (سلي الرماح).. وهو ابن مدينة الحلة قرب الكوفة وكأن العراق تأبى إلا أن تذكر الكويت بحدودها القديمة.
بل إن اسم الكويت تصغير لكلمة كوت ومعناها في لغة أهل العراق: المبنى على هيئة قلعة أو حصن أو دور الفلاحين تحاط بسور أو بغيره.. والطريف في الأمر أن الكويت تصغير لمدينة الكوت بالعراق!! ومن محاسن التاريخ أنه ذكر أن هذه الأراضي وغيرها كانت خاضعة لقبيلة كندة الشهيرة.. لم يكن هناك ذكر لآل صباح ولا حتى السلالة التي ينتسبون إليها.. بل إن هذه المحمية الكويتية ومعها أرض البحرين كانت جميعها تحت سيطرة القرامطة الذين قتلوا الحجيج وردموا بئر زمزم بجثثهم وسرقوا الحجر الأسود واستمر لديهم قرابة عشرين عاماً!! فهل آل الصباح ينتسبون إلى فرقة القرامطة الذين أثاروا الذعر في العالم الإسلامي أم إلى ماذا ينتسبون؟!! التاريخ الحديث يقول إن قبيلة بني خالد في القرن 15 كانت قد سيطرت على مساحات شاسعة تمتد من البصرة إلى قطر وحتى محمية الكويت..
ولم يظهر شأن لأسرة آل الصباح في الأراضي الحالية التي هي امتداد لأرض العراق إلا في ظل ضعف الدولة العثمانية والهجمة الاستعمارية على العالم الإسلامي.. وحسب تاريخ آل الصباح الرسمي فإنه قد تعاقب على حكم الكويت ثلاثة عشر حاكماً أولهم الشيخ صباح الأول بن جابر (1756 ـ 1762).. ونلاحظ أن هناك علامات استفهام في كيفية وصول هذه الأسرة إلى إلى حكم هذه الأرض!! كما أن هناك تشابها غريباً حول طريقة استيلائهم على ما يسمى بأرض الكويت وبين شذاذ الآفاق الذين جاء بهم الإنجليز في أرض فلسطين حتى صارت لهم دولة رغم أنف أهل الضاد!! فهؤلاء وأولئك خرجوا من رحم الاستعمار البريطاني!!
وأما شعار بني الصباح الذي اتخذوه لدولة الكويت فقد كان عبارة عن خوذة وفوقها الصقر مع العلمين المتقاطعين.. علماً بأن تأسيس الكويت الحديث كان في 1961 كدولة مستقلة.. وقد بقي هذا الشعار حتى منتصف 1963 وعندما قرر مجلس الوزراء استبداله بآخر يمثل صقراً باسطاً جناحيه محتضناً سفينة (بوم) فوق الأمواج البيضاء والزرقاء تخليداً لماضي الكويت البحري القديم على حد زعمهم.. لكن الملفت للانتباه أن الصقر يحتضن(سفينة بوم).. وطائر البوم عند العرب نذير شؤم وخراب!! إذن قد يكون لطائر البوم معنى آخر في لغة آل الصباح!! ونحن نتساءل عن مغزى (سفينة البوم) التي يحتضنها صقر آل الصباح: هل في ذلك اشارة لسفن الإنجليز قديماً وحاملات الطائرات الأمريكية حديثاً تلك السفن التي تحمل الشروالخراب دائماً للعراق وأرض الجزيرة؟!!
أما عن ثالثة الأثافي: فقد جاء في نص المادة الأولى من دستور آل الصباح (الكويت): "دولة الكويت عربية مستقلة ذات سيادة تامة، ولا يجوز النزول عن سيادتها أو التخلي عن أي جزء من أراضيها. وشعب الكويت جزء من الأمة العربية" الشاهد هنا (ولا يجوز النزول عن سيادتها أو التخلي عن أي جزء من أراضيها)!! فكيف تسنى لبني الصباح أن يخالفوا الدستور ويتنازلوا عن ثلثي أرض الكويت لقوات العدوان الأمريكي!! وهل صحيح أن معظم شعب الكويت حسب منظومة آل الصباح جزء من الأمة العربية!! أم أن آل الصباح ومن يؤيدونهم جزء من ولاية آلاسكا!!
أما عن دويلات الطوائف (422هـ ـ 487هـ) وهذا العصر من أسود الحقب في صفحات تاريخ المسلمين في الأندلس حتى جاء العصر الحديث وضرب رقماً قياسياً لدويلات الطوائف ومحارق النفط في الخليج لتكون أرذل وأخس وأشأم حقبة مرة في تاريخ الإسلام حتى وقتنا الحاضر.. وقد امتد عصر ملوك الطوائف أكثر من نصف قرن وقسمت فيه الأندلس إلى عدد كبير من الدويلات الهزيلة وكانت كلها تدفع الجزية إلى طاغية قشتالة (ألفونسو السادس).. وقد كان الإسلام الجامع لكل هذه الأعراق والجنسيات تحت خليفة واحد..
وقد أدى بهم التشرذم إلى أن انقسموا إلى ثلاث قوى: عربية ـ بربرية ـ عامرية نسبة إلى أتباع الحاجب المنصور بن أبي عامر.. كما في أيامنا عرب ـ بربر ـ أكراد ـ تركمان وزاد الأمريكان سلالة جديدة: الكويتية!! وكانت هذه الدويلات تدفع الجزية لملوك الأسبان دفعاً لشرهم وكانت تحارب بعضها بعضاً، وتستعين في كثير من الأحيان بجنود مرتزقة من الأسبان للتغلب على هذا الرئيس أو ذاك.. تماماً كما يفعل آل الصباح في الكويت عندما استعانوا بالإنجليز ضد العثمانيين وابن رشيد قديماً.. واستغاثتهم بقوات المارينز الأمريكية لضرب العراق وتهديد الأمة وتمزيقها من أجل بقاء آل الصباح ثم لتذهب أمة العرب والإسلام إلى الجحيم!! لكن شهادة للتاريخ إن ملوك الطوائف في الأندلس كانوا يدفعون الجزية وهم كارهون وكانوا يحاولون التخلص من هذا العار.. لكن آل صباح لا يرون في الاستغاثة بالأمريكان عاراً ولا شناراً بل إنهم يسبحون بحمد بوش الأكبر والأصغر لدرجة أن نفراً من رعاياهم أطلقوا على أولادهم بوش وبول وبريماكوف وفيلد والمولود الجديد فرانكس!!... تيمناً برب البيت الأبيض الذي أوهمهم أنهم عماليق من سلالة عاد!!
إن دويلات الطوائف كانت ثلاثاً وعشرين دويلة.. قريب عدد الدول العربية اليوم مثل: دويلة العامريين وأميرهم المعتصم بن صمادح.. ودويلة بني هود في سرقسطة.. ودويلة بني ذي النون في طليطلة.. ودويلة بين زيري في غرناطة.. ودويلة بني الأفطس في بطليوس.. لكن أشهر وأكبر هذه الدويلات (دويلة بني عباد في اشبيلية) بل إنها أكثرهم أثراً في حياة الأندلس.. والعجيب أن هذه الدويلات اتخذت مظاهر الأبهة والفخامة للدول الكبرى من التلقب بألقاب الخلافة ومن الحجابة ورئاسة الوزراء.. وكانوا يقلدون الخلفاء الأمويين والعباسيين رغم البون الشاسع بين العزيز والذليل!! وكما وصف لنا حالهم ابن رشيق القيرواني:
مما يزهدني في أرض أندلس *** ألقاب معتمد فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها *** كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
وهذا حاصل اليوم في دويلة آل صباح أصغر مساحة في العالم.. جاءت هيئة الأمم المتحدة نجدة لهؤلاء الأقزام المجهريين لتكون لهم سفارة ووزارة وعلم يرفع فوق أبينة الممثليات في بلدان العالم..إن إحدى هذه الدويلات ضاقت ذرعاً من لقب الإمارة فانسلخت من جلدها الضئيل أصلاً إلى ما يسمى (مملكة).. ولله في خلقه شؤون!!
أما عن العلاقة بين هؤلاء الإخوة المتشاكسين فقد كانت في غاية السوء ولم يعد أحد منهم يثق بصاحبه لأنه يعلم أن الآخر يخدعه ويتجسس لصالح ألفونسو!! وكلما اجتمعوا للتوحد انفضوا إلى فرقة ذميمة في صالح عدوهم.. كما يحدث في ما يسمى بمؤتمرات القمة التي يتجسس فيها الكل على الكل لصالح أعداء الأمة.. جامعة الدول العربية التي ما زادت العرب والمسلمين إلا فرقة وتشرذما بسبب فيتو دويلات الطوائف!!
ونظراً لهذه الحالة المزرية لم يكن من المستغرب أن يغدر الولد بأبيه أو يتآمر ضده كما فعل إسماعيل بن المعتضد بن عباد لما تآمر على أبيه وحاول قتله وانتزاع الملك منه لكن الملك نجا من المؤامرة وقتل ابنه وأذاع بيانا ً وجهه إلى أهل الأندلس.. وما أشبه الليلة بالبارحة: فدويلات الطوائف في العصر الحديث تواصوا بهذه المؤامرات وصارت لازمة لحكمهم!! وهل نسيت المحمية الكويتية كيف وصل الشيخ مبارك الصباح (ت1915) الحاكم السابع من هذه الأسرة إلى الحكم؟! تلك الأسرة التي جئ بها لتحمي قوافل الإنجليز ووافقت الدولة العثمانية على اختيار الإنجليز لتأمين قوافل الحجاج أيضاً وليكون شيخ البدو الرحل تابعاً لوالي البصرة العثماني.. ثم انتزعها البريطانيون بمعاهدة الحماية في 23 يناير 1899م.. المهم أن الشيخ مبارك الصباح استولى ذات ليلة من شهر مايو 1896 بعد أن قتل شقيقيه عندما كان الاثنان نائمين!! والشيخ مبارك هذا هو الذي سمل عيني أحد أبناء بيت صقر الغانم وهو أحد الشجعان من آل زايد!! هذا هو التاريخ المشرف لآل صباح!! وهل يعلم رعايا آل صباح أن شيخهم المفدى مبارك الصباح كان غارقاً في العمالة لأسياده الإنجليز من رأسه لأخمص قدميه!! بل هذا الـ (مبارك الصباح) هو الذي قدم الملك عبد العزيز بن سعود مؤسس دول آل سعود في الجزيرة إلى الإنجليز عندما كان في ضيافته وتقربا الاثنان إلى الإنجليز ضد الدولة العثمانية وابن رشيد الذي كان عدواً للإنجليز.. طبعاً كان هدف الشيخ مبارك الصباح هو نشر الفوضى في المنطقة وتمزيق جزيرة العرب ومن ثم تقسيمها بإيعاز من أصدقائه الإنجليز!!
أما دويلات الطوائف قديماً فقد وجه ألفونسو السادس رسالة ملؤها الصلف والغرور والوعيد إلى المعتمد بن عباد.. ولكن كيف يجيب العاجز الذي يدفع الجزية على القوي المتعجرف؟ ووصلت مثل هذه الرسالة إلى معظم حكام دويلات الطوائف تهددهم وتتوعدهم.. فلم يكن أمام هؤلاء المتشرذمين من الأندلسيين خيار: إما أن يرعوا الخنازير في جبال قشتالة (البرتغال حاليا) أو أن يرعوا الجمال في صحارى افريقية حيث يوسف بن تاشفين أمير دولة المرابطين وصيته الطيب في اقامة العدل ونشر الإسلام.. وبعد جدل بين الفرقاء نظراً لخشيتهم من أن يستولى المرابطون على بلادهم إذا انتصروا جميعاً على ألفونسوا.. قال لهم المعتمد بن عباد قولته الشهيرة التي صارت مثلاً: ويحكم! والله لرعي الإبل في صحارى افريقية خير لكم من رعي الخنازير في جبال قشتالة.. فأثبت القوم رغم ما أصابهم من انحراف وفساد وقسوة أن الإسلام لم يزل باقياً في صدورهم وأنهم بحق يغارون على الإسلام فأرسلوا أمير إشبيلية المعتمد بن عباد إلى يوسف بن تاشفين الذي جهز جيشا عظيما لنجدتهم وخاض معركة حاسمة في تاريخ الإسلام والأندلس في وادي الزلاقة سنة 479هـ واستطاع ابن تاشفين أن يجدد شباب الإسلام في الأندلس لأربعة قرون أخرى.. هذا ما امتاز به آل عباد في اشبيلية على آل الصباح في الكويت فبنو عباد رجعوا إلى دينهم الذي حركهم ضد عدوهم الحقيقي.. أما آل الصباح فقد تربوا على أعين الاستعمار ورضعوا ألبان الخزي والبلادة من أسيادهم الأنجلوأمريكان.. فلا خير فيهم فهي سلالة وضع بذرتها الإنجليز قديما واقتطف ثمرتها الأمريكان حديثاً.. وإلا ماذا عسانا أن نفسر هذا الموقف قبيل العدوان على العراق: عندما ترفض تركيا العلمانية المعادية للعرب والإسلام دخول 60 ألف جندي أمريكي لأراضيها وفي نفس الوقت نرى شماريخ آل الصباح يرحبون ويقولون هل من مزيد!!
المشكلة في ذهنية آل صباح الذين يحكمون المحمية الكويتية: توهمهم أن طائر (الزرزور) ـ وهو في حجم العصفورـ نسرٌ عظيم وشاهينٌ كاسر!!.. وتصداقا لذلك نختم بما ذكره صفي الدين الحلي الذي استوحى آل الصباح ألوان علمهم من شعره إذ يقول في نفس القصيدة:
إن الزرازيرَ لما قامَ قائمُها *** توهمتْ أنها صارتْ شواهينا.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق