الأحد، مارس 13

فخامة حمار للاعبوش يخاطب الحكام الحمير

مقامة ناهقة
بقلم: فؤاد وجاني

لولا عيون النوم اليقظة لسهرت الدهر وماعرفت فرقا بين ليل ونهار، فكم أحب الليل لأنه مرآة الروح، وكم كرهت هذا النوم لأنه توأم الموت الصغير، وجفناي الضعيفان يغتالهما السارق الجبار... يخضعان... يُطبقان... ويخضع الجسد الهاوي إلى جاذبية الفراش كفاكهة سقطت من عل ليلتهمها النوم الشره... أما تكفيه كل الأجساد النائمة؟... ويطمع في جسدي أنا عاشق الكلمات، فأهوي هُويا كمن هوى من الكائنات.
لكن العجوز للاعبوش تجعل من النوم متعة لاتضاهيها متعة، فتزورني حين تغيب الكلمات، وتؤنسني برسائلها وحكاياتها في النعاس الممل الكاذب، فأنا نائم والروح يقظة لا يغمض لها جفن ولا يُسدل لها ستار ولا يجف لها قلم.
"طييير... طييير... ياحمار يا ولد الحمير...!"، تصيح للاعبوش وقد امتطت بردعة حمارها النبيل في الفضاء قادمة من السماء الثالثة، من كوكب العالم قبل الأول وبعد الأخير، من عالم الأخيار حيث الحياة بدون خبز وماء، من حيث يشرب أناس الصبر ويأكلون العدل وينعمون في الخير، من حيث أناس ليسوا من الثديات ولا يتوالدون... أوقفت حمارها في الهواء، وهو الذي يفهم كل اللغات إلا لغة حميرنا ولا يخضع للجاذبية كما نحن، تنفس بعض الصعداء بعد رحلة شاقة طويلة جاب فيها ما بين أرضنا والسماء، لا زالت فيه بعض خصال حميرنا ذات أنكر الأصوات: خررررررر!... وظلت للاعبوش معلقة في الهواء تتأرجح يمنة ويسرة وأنا نائم، ثم شرعت تلوح بعصاها الغليظة فوق رأسي المثقل بهموم الطحين والحرية حتى بات البياض فيه أكثر من السواد.
والحق يقال إني لم أفزع هذه المرة لبطش عصاها وجلجلة صوتها، وكنت فيما مضى من زياراتها الليلية المباغتة -غفر الله لي سوء ظني وبعض إثمي- أحسبها عجوزا شمطاء مجنونة قد هرمت وخرفت وحان وصالها بمستشفى الحمقى أو معبد المخبّلين، لكني بعد طول مخالطة ودوام صحبة ومعاشرة وجدتها أعقل الناس وأبلغهم حكمة وأبعدهم بصرا وأجلاهم نظرا.
وقد تعلمت، وأنا ابن البارحة الجاهل بأمور السنين وفعلها، ألا أحكم بعد معرفتي بللاعبوش على الناس بالظاهر، فأبشعهم مظهرا أحسنهم مخبرا أحيانا. وإني قد أحببت هذه العجوز بعد كرهي لها، وصرت أطلبها بعد خوفي منها، وأحنحن لها كلما لمسامعي طبّلتْ، وتعلمت أن العصا ليست للضرب المبرح فحسب بل تكون للتلويح بالحكمة المفيدة أيضا، وصرت أدعو الله قبل أن يلتهمني النوم لعَلّي أحظى بزيارة كريمة من حضرة مولاتي للاعبوش وفخامة حمارها النبيل.
- انهض يانائم بن يقظان، فإني قد جئتك على مضض لمعرفتي بعلمك أن لا وجود لحرية على كوكبكم هذا أو ما تسمونه الدنيا وما أسميه الجحيم في دفتر عناوين الكواكب، ولو قٌدِّر لي تصرفٌ في درب التبانة من رب العالمين لوضعت كوكبكم خارج المجرة وعزلته مع الكواكب الميتة، فأنتم في ميزان الحرية جثت تمشي على أقدامها، تعملون لتأكلون وتشربون وتتوالدون وما لهذا خلقتم، وما خاب حدس الملائكة فأفسدتم وعن الحق تهاونتم.
- مهلا، يا جلالة للاعبوش، أرجوك ألا توصي بجلاء كوكبنا من "دبانتنا" فأنا أستوحي من الجحيم جنتي، وأستلهم من العذاب راحتي.
- دعك من الاستجداء، ولاتلقبني بالجلالة!!! فأنا كما ترى فمي معوج، ولا أصلح للزواج فما بالك للملك.
- قد أجد لكِ عريسا من جمعية الأوباش الصعاليك المتمردين على حكوماتنا وكوكبنا وأسلوب عيشنا.
فتحت للاعبوش فمها الذي هجرته الأسنان فبدا وكأنه نفق المانش بين فرنسا وبريطانيا بدون سيارات في كوكب الجحيم:
- عريس...! هل تصدقني القول يا هذا؟ إئتني به...أين هو؟... أو أذهب إليه أنا... لحظة... لحظة... كلا! لعنة الله على الشبق يحيدني وأنا في خاصرة العمر عن جادة الصواب، ويزج بي في غيابات الرغبة!... لنعد إلى الرشد!... فقد عجفتُ نفسي عن منافذ المقابح ومنعتها عن سبل الشهوات منذ زمان بعيد، فلا تكونن شيطانا ماردا يُرجعني إلى الأيام الخوالي كبقية الشياطين، فما لهذا جئتك على كراهة مني لكوكبكم المُنتن، ولاتجاوزنّ قدرك وتعلونّ فوق حدك بإغوائي... وإلا أذقتك من هذه العصا طعما علقما لايطيبن لك بعده جرح، ولايلتمن لك قبله كسر ولو بعد عام... فاصغ إلى قولي طهر الله قلبك من الخبث، فإني لسعيدة بثوراتكم الناجحة بسواعد الشجعان والمباركة من السماء بوعد القرآن، وأتمنى التحرر لباقي شعوبكم المقهورة المحكومة بقبضة الأنين من أمراء المنافقين ومفسدي الملة والدين. وإن لحماري، حاشى ثواركم، رسالة ناهقة يود أن ترسلها إلى حكامكم الباقين، ذوي المُلك العضوض، جالبي البق والبعوض، المتحكمين في رقاب الشعب بغلبة الديون وأقساط القروض.
رجفت فرائصي لسماع هذا التكليف الخطير، فما حلمت يوما أن أصبح ساعي بريد فما بالك بسفير، وأنا "المواطن" المقصوص الجناح المقهور الفقير إلى ربه الخبير البصير، وما أنا بطائر ولست من عشيرة للاعبوش المنقطعة الجذور والفروع والنظير، وما نهلت من علم عباس بن فرناس بن فرداس البربري الغزير، ولا أملك شر الدواب ولا خيرها ولا حمارا نجيبا ذا جناحي نحرير، ويا ليتني أقدر على الطيران إلى السماء الثالثة بعد تبليغ رسالة حمارها النبيل وقراءة كتابه إلى معشر الحكام الحمير في كوكبنا الصغير.
- أقرئيني رسالة حمارك النبيل، وأمري إلى الله العلي القدير!
ضحكت للاعبوش حتى بللتني بقذائف لعابية من منصة فمها :
- بل سيرتلها عليك حماري الفصيح... فاسمع، واعقل، واحفظ، وتوكل على الحفيظ الخبير.
تبسم الحمار، وتوسعت خياشيم فخامته، ورفرف بجناحيه الفضيين، ورفع ذيله الطويل، فأسبله نحو السماء، ونشر أذنيه وكأنهما مكبرتا صوت رفيعتان، وارتفع في الهواء فانقلب على ظهره، ووضع قائمتيه الأماميتين على بطنه ثم خطب وصاح:
- معشر الحكام الحمير،
إن من سار دربكم لابد أن يطير ولو طال الزمن أو انقضى منه اليسير، وإن زمان الخطب المضللة الواهية قد ولى وحان سقوط البعير، وإن الشعوب قد استفاقت من غفلة دامت حتى نام لها الأثير، فاجمعوا حقائبكم واحملوا دساتيركم وارحلوا يوم النفير، فاليوم لن تنفعكم أمريكا ولا أوروبا ولا بنو صهيون وليس لكم من نصير، وليتعظ المتسلطون الظالمون فلن يأتيكم بعدي من نذير، وإنكم بعد نعيم لذائقون الحنظل والتبن فما أنتم بأهل للشعير، والسلام على من ضدكم ثار وتظاهر وقال لا للظلم والفساد وبيع الناس ووأد الضمير، والسلام على من نادى بالعدل والحرية يومَ يُعذب ويوم يُسجن ويوم التحرير، ولا أدام الله عرشا غير عرشه ولا بارك الله في عمر من حكم من الحمير، ولِلزمرة الفاسدة من الحاكمين الحمير أجعل من النهيق كلامي الأخير: نهاق... نهاق... نهاق... خرررررررررر!
انقلب فخامة الحمار على بطنه، أرخى قوائمه الأربعة، عدل ذنبه، فسبحت للاعبوش في السماء نحوه وامتطت بردعته وهي تلوح بعصاها الغليظة:
"طييير... طييير... ياحمار يا ولد الحمير... !".
وغاب الحمار وفوقه للاعبوش يشقان عُباب السحب الحاملات... سمعتُ وقع رذاذ المطر على النافذة، نهضت من حلمي الجميل لأجد جنب رأسي تعويذة صفراء تفوح منها رائحة الفراولة، فتحتها فوجدت خطاب فخامة الحمار ووصايا جلالة للاعبوش، وها أنذا أبلغ أمانة للاعبوش وكتاب حمارها النبيل.
يا إلهي! لقد أصبحت الورطة ورطتين، لايكفي أن أبحث عن زوج يقبل بجلالة العجوز للاعبوش ويلهيها عن السياسة والسياسيين، بل لابد لي أن أجد زوجة حمارة لحمار للاعبوش أيضا، فقد طال لسانه ووعى عقله وسيُهلكني يوما إن هو استمر في النهيق.

الخميس، أكتوبر 7

صفحات من تاريخ الخيانة، تأسيس الكويت! آل صباح في الكويت.. وآل عباد في الأندلس !

بقلم: د. هاني السباعي مدير (مركز المقريزي للدراسات التاريخية)

16 آذار 2010

قال الشاعر العربي:

بيضٌ صنائعنا سودٌ وقائعنا **** خضرٌ مرابعنا حمرٌ مواضينا

بالطبع لم يكن يدور في خلد الشاعر صفي الدين الحلي (ت 752 هـ) أن علم بني الصباح بألوانه الحالية مستوحاة من بيت شعر في قصيدته الرائعة (سلي الرماح).. وهو ابن مدينة الحلة قرب الكوفة وكأن العراق تأبى إلا أن تذكر الكويت بحدودها القديمة.

بل إن اسم الكويت تصغير لكلمة كوت ومعناها في لغة أهل العراق: المبنى على هيئة قلعة أو حصن أو دور الفلاحين تحاط بسور أو بغيره.. والطريف في الأمر أن الكويت تصغير لمدينة الكوت بالعراق!! ومن محاسن التاريخ أنه ذكر أن هذه الأراضي وغيرها كانت خاضعة لقبيلة كندة الشهيرة.. لم يكن هناك ذكر لآل صباح ولا حتى السلالة التي ينتسبون إليها.. بل إن هذه المحمية الكويتية ومعها أرض البحرين كانت جميعها تحت سيطرة القرامطة الذين قتلوا الحجيج وردموا بئر زمزم بجثثهم وسرقوا الحجر الأسود واستمر لديهم قرابة عشرين عاماً!! فهل آل الصباح ينتسبون إلى فرقة القرامطة الذين أثاروا الذعر في العالم الإسلامي أم إلى ماذا ينتسبون؟!! التاريخ الحديث يقول إن قبيلة بني خالد في القرن 15 كانت قد سيطرت على مساحات شاسعة تمتد من البصرة إلى قطر وحتى محمية الكويت..

ولم يظهر شأن لأسرة آل الصباح في الأراضي الحالية التي هي امتداد لأرض العراق إلا في ظل ضعف الدولة العثمانية والهجمة الاستعمارية على العالم الإسلامي.. وحسب تاريخ آل الصباح الرسمي فإنه قد تعاقب على حكم الكويت ثلاثة عشر حاكماً أولهم الشيخ صباح الأول بن جابر (1756 ـ 1762).. ونلاحظ أن هناك علامات استفهام في كيفية وصول هذه الأسرة إلى إلى حكم هذه الأرض!! كما أن هناك تشابها غريباً حول طريقة استيلائهم على ما يسمى بأرض الكويت وبين شذاذ الآفاق الذين جاء بهم الإنجليز في أرض فلسطين حتى صارت لهم دولة رغم أنف أهل الضاد!! فهؤلاء وأولئك خرجوا من رحم الاستعمار البريطاني!!

وأما شعار بني الصباح الذي اتخذوه لدولة الكويت فقد كان عبارة عن خوذة وفوقها الصقر مع العلمين المتقاطعين.. علماً بأن تأسيس الكويت الحديث كان في 1961 كدولة مستقلة.. وقد بقي هذا الشعار حتى منتصف 1963 وعندما قرر مجلس الوزراء استبداله بآخر يمثل صقراً باسطاً جناحيه محتضناً سفينة (بوم) فوق الأمواج البيضاء والزرقاء تخليداً لماضي الكويت البحري القديم على حد زعمهم.. لكن الملفت للانتباه أن الصقر يحتضن(سفينة بوم).. وطائر البوم عند العرب نذير شؤم وخراب!! إذن قد يكون لطائر البوم معنى آخر في لغة آل الصباح!! ونحن نتساءل عن مغزى (سفينة البوم) التي يحتضنها صقر آل الصباح: هل في ذلك اشارة لسفن الإنجليز قديماً وحاملات الطائرات الأمريكية حديثاً تلك السفن التي تحمل الشروالخراب دائماً للعراق وأرض الجزيرة؟!!

أما عن ثالثة الأثافي: فقد جاء في نص المادة الأولى من دستور آل الصباح (الكويت): "دولة الكويت عربية مستقلة ذات سيادة تامة، ولا يجوز النزول عن سيادتها أو التخلي عن أي جزء من أراضيها. وشعب الكويت جزء من الأمة العربية" الشاهد هنا (ولا يجوز النزول عن سيادتها أو التخلي عن أي جزء من أراضيها)!! فكيف تسنى لبني الصباح أن يخالفوا الدستور ويتنازلوا عن ثلثي أرض الكويت لقوات العدوان الأمريكي!! وهل صحيح أن معظم شعب الكويت حسب منظومة آل الصباح جزء من الأمة العربية!! أم أن آل الصباح ومن يؤيدونهم جزء من ولاية آلاسكا!!

أما عن دويلات الطوائف (422هـ ـ 487هـ) وهذا العصر من أسود الحقب في صفحات تاريخ المسلمين في الأندلس حتى جاء العصر الحديث وضرب رقماً قياسياً لدويلات الطوائف ومحارق النفط في الخليج لتكون أرذل وأخس وأشأم حقبة مرة في تاريخ الإسلام حتى وقتنا الحاضر.. وقد امتد عصر ملوك الطوائف أكثر من نصف قرن وقسمت فيه الأندلس إلى عدد كبير من الدويلات الهزيلة وكانت كلها تدفع الجزية إلى طاغية قشتالة (ألفونسو السادس).. وقد كان الإسلام الجامع لكل هذه الأعراق والجنسيات تحت خليفة واحد..

وقد أدى بهم التشرذم إلى أن انقسموا إلى ثلاث قوى: عربية ـ بربرية ـ عامرية نسبة إلى أتباع الحاجب المنصور بن أبي عامر.. كما في أيامنا عرب ـ بربر ـ أكراد ـ تركمان وزاد الأمريكان سلالة جديدة: الكويتية!! وكانت هذه الدويلات تدفع الجزية لملوك الأسبان دفعاً لشرهم وكانت تحارب بعضها بعضاً، وتستعين في كثير من الأحيان بجنود مرتزقة من الأسبان للتغلب على هذا الرئيس أو ذاك.. تماماً كما يفعل آل الصباح في الكويت عندما استعانوا بالإنجليز ضد العثمانيين وابن رشيد قديماً.. واستغاثتهم بقوات المارينز الأمريكية لضرب العراق وتهديد الأمة وتمزيقها من أجل بقاء آل الصباح ثم لتذهب أمة العرب والإسلام إلى الجحيم!! لكن شهادة للتاريخ إن ملوك الطوائف في الأندلس كانوا يدفعون الجزية وهم كارهون وكانوا يحاولون التخلص من هذا العار.. لكن آل صباح لا يرون في الاستغاثة بالأمريكان عاراً ولا شناراً بل إنهم يسبحون بحمد بوش الأكبر والأصغر لدرجة أن نفراً من رعاياهم أطلقوا على أولادهم بوش وبول وبريماكوف وفيلد والمولود الجديد فرانكس!!... تيمناً برب البيت الأبيض الذي أوهمهم أنهم عماليق من سلالة عاد!!

إن دويلات الطوائف كانت ثلاثاً وعشرين دويلة.. قريب عدد الدول العربية اليوم مثل: دويلة العامريين وأميرهم المعتصم بن صمادح.. ودويلة بني هود في سرقسطة.. ودويلة بني ذي النون في طليطلة.. ودويلة بين زيري في غرناطة.. ودويلة بني الأفطس في بطليوس.. لكن أشهر وأكبر هذه الدويلات (دويلة بني عباد في اشبيلية) بل إنها أكثرهم أثراً في حياة الأندلس.. والعجيب أن هذه الدويلات اتخذت مظاهر الأبهة والفخامة للدول الكبرى من التلقب بألقاب الخلافة ومن الحجابة ورئاسة الوزراء.. وكانوا يقلدون الخلفاء الأمويين والعباسيين رغم البون الشاسع بين العزيز والذليل!! وكما وصف لنا حالهم ابن رشيق القيرواني:

مما يزهدني في أرض أندلس *** ألقاب معتمد فيها ومعتضد

ألقاب مملكة في غير موضعها *** كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد

وهذا حاصل اليوم في دويلة آل صباح أصغر مساحة في العالم.. جاءت هيئة الأمم المتحدة نجدة لهؤلاء الأقزام المجهريين لتكون لهم سفارة ووزارة وعلم يرفع فوق أبينة الممثليات في بلدان العالم..إن إحدى هذه الدويلات ضاقت ذرعاً من لقب الإمارة فانسلخت من جلدها الضئيل أصلاً إلى ما يسمى (مملكة).. ولله في خلقه شؤون!!

أما عن العلاقة بين هؤلاء الإخوة المتشاكسين فقد كانت في غاية السوء ولم يعد أحد منهم يثق بصاحبه لأنه يعلم أن الآخر يخدعه ويتجسس لصالح ألفونسو!! وكلما اجتمعوا للتوحد انفضوا إلى فرقة ذميمة في صالح عدوهم.. كما يحدث في ما يسمى بمؤتمرات القمة التي يتجسس فيها الكل على الكل لصالح أعداء الأمة.. جامعة الدول العربية التي ما زادت العرب والمسلمين إلا فرقة وتشرذما بسبب فيتو دويلات الطوائف!!

ونظراً لهذه الحالة المزرية لم يكن من المستغرب أن يغدر الولد بأبيه أو يتآمر ضده كما فعل إسماعيل بن المعتضد بن عباد لما تآمر على أبيه وحاول قتله وانتزاع الملك منه لكن الملك نجا من المؤامرة وقتل ابنه وأذاع بيانا ً وجهه إلى أهل الأندلس.. وما أشبه الليلة بالبارحة: فدويلات الطوائف في العصر الحديث تواصوا بهذه المؤامرات وصارت لازمة لحكمهم!! وهل نسيت المحمية الكويتية كيف وصل الشيخ مبارك الصباح (ت1915) الحاكم السابع من هذه الأسرة إلى الحكم؟! تلك الأسرة التي جئ بها لتحمي قوافل الإنجليز ووافقت الدولة العثمانية على اختيار الإنجليز لتأمين قوافل الحجاج أيضاً وليكون شيخ البدو الرحل تابعاً لوالي البصرة العثماني.. ثم انتزعها البريطانيون بمعاهدة الحماية في 23 يناير 1899م.. المهم أن الشيخ مبارك الصباح استولى ذات ليلة من شهر مايو 1896 بعد أن قتل شقيقيه عندما كان الاثنان نائمين!! والشيخ مبارك هذا هو الذي سمل عيني أحد أبناء بيت صقر الغانم وهو أحد الشجعان من آل زايد!! هذا هو التاريخ المشرف لآل صباح!! وهل يعلم رعايا آل صباح أن شيخهم المفدى مبارك الصباح كان غارقاً في العمالة لأسياده الإنجليز من رأسه لأخمص قدميه!! بل هذا الـ (مبارك الصباح) هو الذي قدم الملك عبد العزيز بن سعود مؤسس دول آل سعود في الجزيرة إلى الإنجليز عندما كان في ضيافته وتقربا الاثنان إلى الإنجليز ضد الدولة العثمانية وابن رشيد الذي كان عدواً للإنجليز.. طبعاً كان هدف الشيخ مبارك الصباح هو نشر الفوضى في المنطقة وتمزيق جزيرة العرب ومن ثم تقسيمها بإيعاز من أصدقائه الإنجليز!!

أما دويلات الطوائف قديماً فقد وجه ألفونسو السادس رسالة ملؤها الصلف والغرور والوعيد إلى المعتمد بن عباد.. ولكن كيف يجيب العاجز الذي يدفع الجزية على القوي المتعجرف؟ ووصلت مثل هذه الرسالة إلى معظم حكام دويلات الطوائف تهددهم وتتوعدهم.. فلم يكن أمام هؤلاء المتشرذمين من الأندلسيين خيار: إما أن يرعوا الخنازير في جبال قشتالة (البرتغال حاليا) أو أن يرعوا الجمال في صحارى افريقية حيث يوسف بن تاشفين أمير دولة المرابطين وصيته الطيب في اقامة العدل ونشر الإسلام.. وبعد جدل بين الفرقاء نظراً لخشيتهم من أن يستولى المرابطون على بلادهم إذا انتصروا جميعاً على ألفونسوا.. قال لهم المعتمد بن عباد قولته الشهيرة التي صارت مثلاً: ويحكم! والله لرعي الإبل في صحارى افريقية خير لكم من رعي الخنازير في جبال قشتالة.. فأثبت القوم رغم ما أصابهم من انحراف وفساد وقسوة أن الإسلام لم يزل باقياً في صدورهم وأنهم بحق يغارون على الإسلام فأرسلوا أمير إشبيلية المعتمد بن عباد إلى يوسف بن تاشفين الذي جهز جيشا عظيما لنجدتهم وخاض معركة حاسمة في تاريخ الإسلام والأندلس في وادي الزلاقة سنة 479هـ واستطاع ابن تاشفين أن يجدد شباب الإسلام في الأندلس لأربعة قرون أخرى.. هذا ما امتاز به آل عباد في اشبيلية على آل الصباح في الكويت فبنو عباد رجعوا إلى دينهم الذي حركهم ضد عدوهم الحقيقي.. أما آل الصباح فقد تربوا على أعين الاستعمار ورضعوا ألبان الخزي والبلادة من أسيادهم الأنجلوأمريكان.. فلا خير فيهم فهي سلالة وضع بذرتها الإنجليز قديما واقتطف ثمرتها الأمريكان حديثاً.. وإلا ماذا عسانا أن نفسر هذا الموقف قبيل العدوان على العراق: عندما ترفض تركيا العلمانية المعادية للعرب والإسلام دخول 60 ألف جندي أمريكي لأراضيها وفي نفس الوقت نرى شماريخ آل الصباح يرحبون ويقولون هل من مزيد!!

المشكلة في ذهنية آل صباح الذين يحكمون المحمية الكويتية: توهمهم أن طائر (الزرزور) ـ وهو في حجم العصفورـ نسرٌ عظيم وشاهينٌ كاسر!!.. وتصداقا لذلك نختم بما ذكره صفي الدين الحلي الذي استوحى آل الصباح ألوان علمهم من شعره إذ يقول في نفس القصيدة:

إن الزرازيرَ لما قامَ قائمُها *** توهمتْ أنها صارتْ شواهينا.

السبت، ديسمبر 5



الأحد، سبتمبر 20

بافلو بيل وبن لادن

بقلم : فؤاد وجاني

في يوم الحادي عشر من سبتمر من السنة التاسعة بعد الألف الثانية بعد الميلاد ، قادتني يداي قيادة فطرية نحو صعود الجبال . أحيانا قد تضيق بك حمى العيش وسط الزحام فما أن تجد فسحة من الوقت حتى تأخذ خفيك في يديك وتهرب الى أقرب خلوة لتنعم بأحلى سلوة . الأمر ليس صعبا في كولورادو ، في لاية تكاد تملأها الطبيعة في جزئها الغربي جبلا تلو الجبل ، فسبحان من رفع السماء بلا عمد ونصب الجبال بلاوتد . وليس هنالك أكثر من الجبال سكنا وأجلها خشوعا ، فهي توحي بالعظمة لمتسلقها ، وتزرع فيه روح التحدي، فتبدوالحياة سهلا في أعين ناظرها ، ويغدو العيش لهوا في قلب متأملها .
الهواء هنا حيث تكاد يداك تلمس السحب البيضاء لاتوصف نقاوته ، والسهول هناك حيث المدن والبنايات و العمران الإنساني تبدو صغيرة مضمحلة لايُذكر أثرها، كل شيء يبدو متواضعا من أعلى الجبال ، حتى الجسد الذي يتسلقه يخشع ويرجع الى إنسانيته . الوقت النابض نحو الموت يتوقف هنا، والحياة تدرك أسمى معانيها هنا ، الجمال وحده ينطق في صمت هنا ، وتتهاوى الكلمات عن وصف قمة اللحظة ، الصورة وحدها تغذي الإحساس لتبقى مسجلة في الذكرى .
وصلت الى القمة لأتذكر بعدها أنني في طريقي الى مرقد بافالو بيل أحد رعاة البقر المشهورين في الغرب الأمريكي . فتذكرت أن اليوم كان الحادي عشر من سبتمبر ، وتذكرت بن لادن ، فكلاهما بالآخر مقرون، ولمحت غزلانا على جنبات الطريق الجبلي المتصاعد ، وثعلبا واقفا متجمدا في مكانه وقد جلس في طمأنينة وأحاط رجليه الأماميتين بذيله وكأنه فخور بنفسه ، و القادمون للتبرك بكعبة بافالو بيل يأخذون صورا تذكارية له .
بافالو بيل هذا هو الإسم المستعار لويليام فريديريك والذي ولد في ولاية أيوا في عام 1846 ، وامتهن حرفا متعددة ، فقد كان صيادا وسائق حنطور وجنديا خلال الحرب الأهلية ومديرا لفندق وسائقا لعربات الشحن الثقيلة قبل أن يسطع نجمه ويحفظ اسمه كل لسان . وقد لقب ب "بافالو بيل" تهنئة له على قتله ل4860 جاموس خلال مدة لم تتجاوز ثمانية عشر شهرا ليساهم في انقراضه علما أن حياة الهنود الحمر واستمرارهم كانت تعتمد على اصطياد الجاموس قبل حلول الأوروبيين .
لكن صيته ذاع في عام 1883 بعد أن أسس عرضا بفرقة سماها "بافلو بيل والغرب المتوحش" ، وكان العرض يجمع بعض الهنود الحمر ورعاة بقر حقيقيين ، وجالت الفرقة كل أنحاء أمريكا وأوروبا وبريطانيا فشغل بافالو بيل الناس وملأ الدنيا وأصبح سفيرا للصورة الأمريكية الجديدة لدى أعتاب الملوك والرؤساء والدول ، ونجح في تحويل الصورة الأمريكية من رعاة بقر متعجرفين الى أناس راقيين ذوي ذوق رفيع وخاطر وسيع .
العرض المسرحي الذي يمثل الإنسان الأبيض والهندي الأحمر في مشهد تمثيلي واحد ،بعد قرون من الإبادة الجماعية المتواصلة لملايين الهنود الحمر ، اختزل ثقافة الهنود الأحمر في قطيع البقر الوحشي ، وربط وجودهم بالإنسان الأبيض ، وأدغم علمهم في الحصول على مايسد الرمق ، وكأن الهندي الأحمر لم يكن يوما صاحب حضارة ولامالك أرض . ليس من باب المبالغة القول أن بافلو بيل أسس نظرة هوليود اللاحقة للهنود الأحمر على أنهم الشر والجهل ، وأن الإنسان الأبيض يمثل الخير والمعرفة.
والأعجب أن بافلو بيل بلغ بعرضه أوج العالمية بعد استقطابه سنويا لمشاركين من أركان الأرض الأربعة فقد شاركه خيالون عرب وأتراك ومغول وروس وغيرهم .
وكنت قد بحثت في المكتبات الأمريكية عن كتب تصف حقيقة عروض وسيرة بافالو بيل فلم أجد منها سوى تلكم المليئة بالمدح والتي تستر عمدا المؤامرة التي حيكت لتهميش الهنود الحمر وتصغيرهم في أعين الناس والتاريخ ، وماخفي فهو أعظم والله به أعلم. فتذكرت كتب التاريخ المحرفة في المقررات الدراسية في العالم العربي والإسلامي بين قوسين ، والعروبة والإسلام بريئان منهما براءة الذئب من دم يوسف .
اليوم بافالو بيل بطل تاريخي ورمز لحداثة الغرب الأمريكي وعنوان لإنتقاله من حياة الشظف الى ابتغاء سبل الحضارة . وسواء ذهبت الى ولاية نبراسكا أم الى أيوا أو وايومنغ أو كولورادو ستجد له متاحف بل مدنا بأكملها تحمل إسمه وتروي ملاحمه المسرحية المزيفة على حساب تاريخ الإنسان الهندي الأحمر الرافض لوجود المستعمر الأوروبي والقابع تحت الفقر المذقع في المحميات ، أما أولئك الهنود الحمر الذين قرروا الإندماج فهم ينعمون في عيش رغيد .
العنف ضد الأبرياء ليس له شرع ولامبرر ولامكان له في عالم الإنسان "المتحضر" بلغة العدل وليس العصر . لكن حيثما وُجِد ظلم فهنالك عنف ، ولايسبق العنف الظلم بل يليه وينتج عنه ، والإنسان ظلوم بطبعه مفسد بجبله سفاك للدماء ، والواقع التاريخي يقول إن فترات السلم هي الإستثناء ، والحرب هي القاعدة ، و الأقوياء وحدهم يصنعون التاريخ ، والحضارات تنتزع الحقوق انتزاعا . بهذا المنطق الإنساني الغابوي تكون أمريكا على حق في غزوها للعراق وأفغانستان ، وتكون إسرائيل على حق في إغتصابها لفلسطين قلب المسلمين ، ويكون بن لادن على حق في أحداث التاسع عشر من سبتمبر .
لكن مهلا ، من المتضرر الأكبر والخاسر الأخسر ؟ أليست هي الشعوب البريئة من ذمة أولئك وفعلة هؤلاء ؟ وماذنب عامة الناس البسطاء الذين لاناقة لهم ولاجمل من الأمريكيين والفلسطينيين والعراقيين واللبنانيين والأفغانيين والهنود الحمر والعرب واليهود ؟
بافلو بيل قتل آلاف القطعان من البقر الوحشي ، والأوروبيون نحروا ملايين الهنود الحمر ، وبن لادن أسفك دماء الآلاف من الأبرياء ، والقوات الأمريكية لم تحتل العراق لتبني مستشفى أو جامعة بل خلفت الأرامل والدمار وقتلت ملايين العراقيين ، والأفغانيون يرزحون تحت الإحتلال وتحت خط الفقر ويعانون من القهر ، وإسرائيل قتلت عشرات الآلاف من اللبنانيين وأعدمت وشردت ملايين الفلسطينيين ، والحكومات العربية تقتل حريات مواطنيها كل يوم وليلة. المعادلة العصرية الوحيدة تقول إن الأقوياء يعتبرون أرواح الناس قطيعا كقطعان الجاموس يحلون دمه .
فهل تستحق الشعوب مايحدث لها لأنها نحت منحى القطيع ورضت بالخبز والماء بدل الحرية والكرامة ؟ وهل هي شعوب بريئة فعلا ؟ أليس الصامت عن الحق شيطانا أخرس وجب إعدامه ؟ فهل سيأتي على المسلمين يوم يقيمون فيه متحفا لابن لادن على شاكلة بافلو بيل ؟
أترك لكم الإجابة أيها الأحرار بين قوسين .

الأربعاء، سبتمبر 16

النص الكامل لكلمة الزميل منتظر الزيدي خلال المؤتمر الصحفي بمقر قناة البغدادية بعد الافراج عنه


















الثلاثاء, 15 أيلول - سبتمبر 2009 21:01
بسم الله الرحمن الرحيم
ها انا ذا حر وما زال الوطن اسيرا…
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في البدء احيي و اشكر كل من وقف الى جانبي من الشرفاء في وطني و في الوطن العربي الكبير وفي العالم الاسلامي والعالم الحر.
لقد كثر الحديث عن الفعل والفاعل والبطل والبطولة والرمز والصنيع, لكنني بكل بساطة اجيب ان الذي حررني للمواجهة هو الظلم الذي وقع على شعبي، وكيف ان الاحتلال اراد اذلال وطنى بوضعه تحت جزمته وسحق فوق رؤس ابناءه من شيوخ ونساء واطفال ورجال وعلى مدى الاعوام الماضية سقط اكثر من مليون شهيد برصاص الاحتلال واكتظت البلاد بخمسة ملايين يتيم ومليون ارملة ومئات الالاف من المعاقين ونحو خمسة ملايين من المشردين داخل البلاد وخارجها .

كنا قوما يقتسم العربي مع التركماني والكردي والاشورى والصابئي والايزيدى رغيف الخبز ويصلي الشيعي مع السني في صف واحد، ويحتفل المسلم مع المسيحي في عيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام، ورغم اننا كنا نجوع يوميا في حصار امريكا لأكثر من عشرة سنوات فإن صبرنا وصمودنا لم ينسنا الاستبداد والقمع حتى اجتاحنا الاحتلال بوهم التحرير لدى البعض ففرق بين الاخ واخيه والجار وجاره والولد وخاله وجعل بيوتنا صناديق عزاء لا تنتهى ومقابرنا صارت في الشوارع والمتنزهات، انه الطاعون انه الاحتلال الذي يفتك بنا ويدنس دور العبادة وحرومات البيوت ويغتصب الحرائر ويزج بالالاف كل يوم في سجون مرتجلة.
انا لست بطل واعترف بذلك لكنى صاحب رأي وموقف لقد اذلنى ان ارى بلادي تستباح , بلادي تحرق واهلي يقتلون , الاف الصور والمشاهد المأساوية ضلت عالقة في ذهني وهي تضغط على كل يوم مشيرة الى طريق الحق طريق المجابهة طريق رفض الباطل والزيف والخداع وكنت لا انام معها ليلاً هانئاً , عشرات بل مئات الصور والفضائح والمجازر التى يشيب لها الجنين كانت تبكيني وتجرحنى فضيحة ابو غريب مجزرة الفلوجة , النجف , حديثة مدينة الصدر, البصرة , ديالى , الموصل , تلعفر , وكل شبر من ارضنا الجريحة، كنت اجول طوال السنوات الماضية بارض محترقة وكنت اشاهد بام عيني الام الضحايا واسمع صرخات الثكالى والايتام وكان العار يلاحقني كاسم قبيح لقلة حيلتي وحين اكمل واجبهى المهني في نقل كوارث العراقيين اليومية وانا اغتسل من بقايا غبار المنازل المهدمة او من بقايا دماء الضحايا العالقة في ثيابى اعض على اسناني معاهدا ًضحايانا بالثأر لهم وقد حانت الفرصة ولم افوتها وفاءً لكل قطرة دم بريئة سقطت من الاحتلال أو من جرائه لكل صرخة ثكلى او انين جريح او حزن مختصبة او دمعة يتيم , لو علم اللائمون كم وطات الحذاء التى قذفتها منازل مهدمة بفعل الاحتلال وكم مرة اختلط بدماء الابرياء النازفة وكم مرة دخلت بيوتاً انتهكت حرمات حرائرها ولعلها كانت الرد المناسب حين تنتهك جميع المعايير.

اردت بقذفي الحذاء في وجه مجرم الحرب بوش ان اعبر عن رفضى لكذبه رفضي لاحتلاله لبلادى رفضي لقتل شعبى رفضي لنهب خيراته وتهديم بناه التحتية وتشريد ابنائه في الشتات وبعد 6 سنوات من الذل والقتل وانتهاك الحرمات وتدنيس دور العبادة ياتي القاتل متبجحا بًالنصر والديمقراطية ويريد توديع ضحاياه ويريد منا الورود، ببساطة كانت تلك وردتي للمحتل ومن اراد التواطؤ معه واستغفال التأريخ سواء بنشر الاكاذيب قبل الاحتلال او بعده , اردت الدفاع عن شرف المهنة وعن الوطنية المستضامة يوم دنست البلاد واستبيح الوطن وذهب الشرف الرفيع.

يقول البعض لماذا لم يسأل بوش سؤال يحرجه فيه في المؤتمر وانا هنا اجيبكم انتم يا معشر الصحفيين , كيف لي ان اسأل بوش وقد امرنا قبل بدء المؤتمر بان لا نطرح السؤال عليه , ممنوع اي شخص ان يسال بوش وكنا نكتفي بالتغطية فقط كخبر اما عن المهنية فان المهنية التى يتباكى عليها البعض في ظل الاحتلال ولا اظن ان صوتها يطغى على صوت الوطنية واذا تحدثت الوطنية ستجد المهنية رديفاً لها , وبهذه المناسبة اذا كنت قد اسأت بغير قصد والله العالم للاعلام والصحافة اود الاعتذار منكم لما سببته من احراج مهني للمؤسسات ولان كل ما قصدته هو التعبير بوجدان حي وضمير يقظ عن مكنونات مواطن يرى بلده يستباح كل يوم كما ان التاريخ يذكر كثير من القصص التى دنست فيها المهنية بيد ساسة امريكا سواء في محاولة اغتيال الثائر الكوبي فيديل كاسترو من خلال تفخيخ كاميرا تلفزيونية كان يحملها عملاء لل سي آي أي حينما ادعوا انهم من التليفزيون الكوبي، أو ما فعلوه في حرب احتلال العراق من تضليل الرأي العام بما يجري وامثلة كثيرة لا يسعني ان اذكرها هنا , لكن الشيء الذي اود ان الفت اليه الانتباه هو ان هذه الاجهزة المريبة اي المخابرات الأمريكية والأجهزة الاخرى التابعة لها لم تدخر جهداً في ملاحقتي كثائر متمرد على احتلالها في محاولة لقتلي او تسقيطي وهنا الفت انتباه المقربين الى مصائد المخابرات تلك للايقاع بى وقتلي بشتي الطرق جسدياً واجتماعيا ًومهنياً .

وفي الوقت الذي خرج به رئيس الوزراء العراقي في الفضائيات ليقول انه لم ينم الا بعد ان اطمئن على و انني قد وجدت فراش وفيراً وغطاء , في تلك اللحظات التى كان يتحدث بها رئيس الوزراء العراقي كنت اعذب بابشع انواع التعذيب صعق بالكهرباء ضرب بالكيبلات ضرب في القضبان الحديدة وفي الباحة الخلفية للمؤتمر الذي كان يجري وما زال يجري وانا اسمع اصوات المؤتمرين وربما كانوا يسمعون صراخ انيني وتركت في الصباح مكبلاً في مكان لا يقيني برد الشتاء القارص بعد ان اغرقوني في الماء منذ الفجر، لذلك اطلب بالاعتذار عن حجب الحقيقة عن الناس من السيد المالكي وساتحدث لاحقاً عن الاسماء التى تورطت بتعذيبي وبينهم بعض المسئولين الكبار في الدولة وفي الجيش .

لم ابلغ من فعلتى هذه دخول التاريخ او الحصول على مكسب ما وانما اردت الدفاع عن بلدى وهو امر مشروع تقره القوانين والاعراف السماوية والارضية والدولية ، اردت الذود عن بلد عريق وحضارة استبيحت واظن ان كتب التاريخ الامريكية وغير الامريكية ستذكر كيف جعل المحتلون العراق العريق يخضع لسيطرتهم ويذعن لهم و الى الاساليب الوحشية التى استخدموها بحق ابناءه متبجحين بذلك متذكرين ما كان يحدث للسكان الاصليين في امريكا الجنوبية والشمالية على يد المستعمرين، ولكنني اقول هنا لهم ولكل من حذا بحذوهم وكل من آزرهم وتباكى عليهم , هيهات فنحن شعب نموت ولا نذل.

واخيراً اقول انني مستقل وغير متنتمي الى اي حزب كما ظهر كثيرا وفي اثناء التحقيق والتعذيب انني انتمي الى جهات يمينية ويسارية ,لكنني مستقل من اي جهة سياسية كانت وساسخر ان شاء الله كل جهدى القادم في الخدمة الانسانية المدنية لشعبي وكل من هو بحاجة اليها دون الخوض بغبار السياسة وليس غمار السياسة كما اطلق البعض اشاعات عني وساعمل على رعاية الايتام والارامل وكل من تضرر بالاحتلال.

الرحمة للشهداء والشهيدات الذين سقطوا في العراق الجريح والعار لمن احتل العراق ومن ساعد فى فعلته النكراء والسلام على المعفرين في غياهب القبور وعلى المقهورين في سلاسل الاعتقال والسلام عليكم ايها الصابرون المحتسبون في بلادي الحبيبة الجريحة فان ليل الظلم وان طال فانه لن يحجب شمساً خططناها بايدينا ان تبقى شمساً للحرية.
وكلمة اخيرة اوصاني بها رفاقي وزملائي في المحنة في السجون هناك , قالوا يا منتظر اذا خرجت فاذكرنا عند ربك , انا ربي واحد سبحانه وتعالى واذكرهم عنده في كل صلاة لكن ارباب الدولة والسياسية اذكرهم بان هناك في السجون المرتجلة وغير المرتجلة مئات بل الاف الضحايا بسبب مخبر سرى بسبب وشاية وهم يقبعون في هذه الزنازين منذ سنوات ولا محاكمة ولا مراجعة لهم، فقط جلب من الشوارع ومن البيوت وزج في هذه السجون، فانا امامكم وامام الله وامامهم الان الذين ربما يستمعون لي ويشاهدوني فقد برأت ذمتي، فابرؤا ذمتكم ايها السياسيون والمسؤولين في الدولة عما يجري في السجون من ظلم بسبب تأخير القضاء العراقي.
شكرا لكم والسلام عليكم ورحمة الله .

الخميس، سبتمبر 3

مِنَشَّةُ القذافي والذبابُ الأمريكي

بقلم : فؤاد وجاني

في غضون أيام قليلة سيحط معمر القذافي الرحال بولاية نيوجيرسي الأمريكية وفي يديه معجزتان عظيمتان تفرد بهما عن باقي القادة والسلاطين ، ألا وهما كتاب أخضر ومنشة ذباب . وسينصب القذافي خيمته بحي إنغلوود بأرض تملكها السفارة الليبية قاذفا الرعب في قلوب سكان حي معظمهم من اليهود . حي يكاد يهلك من الغيظ ليس لأن القذافي نسي الإتيان بالناقة والجمل فحسب ، بل بسبب حادثة الإفراج الأخيرة عن المتهم الأول في إنفجار طائرة بانام فوق لوكربي من قبل السلطات الإسكتلندية .
لاشك أن الإفراج عن المقرحي قد سبب قرحا عميقا في نفوس عائلات الضحايا على الرغم من عدم ثبوت أدلة واضحة تدينه طوال فترة الإعتقال ، حيث ظلت كارثة تحطم الطائرة لغزا عصيا عجزت عن حله رغم سمو ذكائها وطول خبرتها المخابرات الأمريكية والبريطانية . فسنحت الفرصة وهيأت الظروف لإتهام ليبيا من خلال مواطنين يعملان بشركة الخطوط الجوية الليبية بمطار لوقا بمالطة ، ونُسجت خرافة أهون من بيت العنكبوت مفادها انهما قد سهلا عملية شحن حقيبة تحتوي على متفجرات ، بل وادعت بعض الجهات الغربية أن المواطنين العاملين بالمطار عنصران قد تم تجنيدهما وتأطيرهما لصالح المخابرات الليبية .
كلنا نعلم أن رائحة العرب المسافرين في كبرى المطارات الغربية تثير النفور وتوحي بالشرور لدى السلطات، وأن رؤية العرب العابرين تجذب النظرات وجلا وتوجس الأنفاس فزعا وكأنها إشارة مرور حمراء تكبح جماح الشعور بالطمأنينة في كل مكان ، فمابالك بعاملين في مطار صغير تابع لجزيرات ثلاث تطلق على نفسها دولة وتحسب لنفسها سيادة ومساحتها تكاد لاتتعدى أخمصا صغيرا في قدم الصحراء الليبية .
إن نصب الخيمة القذافية في عقر الدار الأمريكية لتعبير عن فخر واعتزاز بنجاح ساعد الدبلوماسية الليبية في لوي ذراع الغرب المحتاج للنفط الليبي حاجة الجنين للحبل السري ، فقد هرول الرئيس السويسري هانس رودلف ميرز معتذرا بشأن حادثة الاساءة التى تعرض لها ابن الرئيس الليبي هنيبال معمر القذافي وأسرته من جانب شرطة جنيف بعد أن هدد القذافي بقطع النفط عن سويسرا قبيل حلول صقيع الخريف ، و سجدت فرنسا ذليلة وتواضعت خسيسة للعملة الليبية منقذة اقتصادها من الوقوع دون قيام في ظلمات الإفلاس بفضل الصفقات العسكرية الأخيرة .
لذلك كله سيثبت القذافي أوتاده ، وسينصب خيمته ، وسيمد رجليه ، وينشنش الذباب في أمريكا ، كما فعلها في باريس من قبل ، رغم أنف الكارهين الممتعضين من وجوده . وليس من المستبعد أن تتحول الخيمة الى مزار شريف يقصده السياسيون والسواح والمقيمون والفضوليون والثوريون والعدوانيون والمتظاهرون على حد السواء .
الذباب وحده لن يكتفي بالزيارة العابرة والعيادة المارقة، بل إنه لا محالة مخيم في خيمة القذافي المعطرة بريحة البراري . لكن الذباب هذه المرة ليس فرنسيا ولاسويسريا بل أمريكي الأصل والمنبت ، فالذباب السويسري والفرنسي رقيق فَطِنٌ لايألف الطرد ولايقوى على الضرب ، بينما الأمريكي ثخين بطِنٌ لايخيفه الهش ولايفزعه النش ، فالذباب الأمريكي هو الوحيد في زماننا الذي لايرهبه حضور العربي ، بل إن الذبابة الأمريكية ترقص فرحا وتحرك جناحيها مرحا لرؤية عربي طري يحمل بين إبطيه عرقا طازجا من بلاد تحفل بمالذ وطاب من النفايات التاريخية . وهي فرصة حميمية للذباب الأمريكي الذي ينعم بالحرية الكاذبة لإحياء صلة الرحم مع إخوته من الذباب الليبي خاصة والعربي عامة الذي لا يشم رائحة الحرية صادقة كانت أم كاذبة. وإنها لفرصة أعظم للذباب الأمريكي لتغيير مذاق الأطعمة ونكهة الأشربة ، فالذباب في نهاية المطاف حشرة نهمة شرهة ، تطير وراء غريزة بطنها ، وتحلق خلف غرير جوفها سواء أكانت أمريكية أم عربية أم سويسرية أم فرنسية.
وقد تختلف عادات الذباب وتتنوع تقاليده من مكان لآخر في المنظر لكنه يبقى ذبابا في الجوهر، وقد يكون ثقيل الدم تارة خفيف الظل أخرى ، لكنه في آخر المطاف مجرد ذباب . فإذا كان الذباب الفرنسي والسويسري يتصفان بالرقة وينعتان بالأناقة ، فإن الأمريكي فظ خشن ، لبعضه طنين يشبه دوي طائرات ف 16 ويحلق بسرعة ويجيد المناورة، ولبعضه نغمات تماثل صواريخ الأرض جو وينطلق من منصات متحركة أو ثابثة . كما أن الذباب الأمريكي يصول ويجول في كل بقاع العالم ، لاتحده جغرافية الحدود ولاتعجزه اتجاهات البوصلة .
أما داخل الوطن العربي فلايوجد قانون يمنع الإعتداء على الذباب ، لذلك فإن القذافي كسائر العرب لايتورع عن قتله بمنشته. وقد يقول قائل إن القذافي بما لايدع شكا أو ريبة سيكون حذرا في تعامله مع الذباب الأمريكي ، وإلا لحقته قضايا جنائية بحق كرامة الذباب الأمريكي قد ترفعها ضده مؤسسات حماية البيئة وهيئات الدفاع عن حقوق الحيوانات والحشرات والنباتات في العيش الكريم ، بعد أن فشلوا في اتهامه بتفجير الطائرة الأمريكية .
لكن ذلك تقدير ساذج وتخمين خاطئ ، فقد أثبت العلم والدين أن الذبابة تحول الباكتيريا الى أحد جناحيها بينما تحتفظ بمضاد الباكتيريا في جوفها ، فإذا سقط الذباب في طعام أو شراب ، فإن أفضل وسيلة للتخلص من جراثيمه غمسه كليا ثم طرحه.
أما القذافي فقد أثبت اقتصاديا أن غمس الذباب في براميل نفطية لابداية لها وأنابيب غازية لانهاية لها هو أنجع وسيلة للتخلص من التبعية السياسية والدعاوي القضائية. وفي هذا الصدد ، فإن مكتب عمدة نيوجرسي لايمانع في إقامة الخيمة القذافية على أرضه وبمدينته مقابل دفع ضرائب مالية ومستحقات جبائية لفائدة خزينة البلدية والدوائر الأمنية التي ستحرس مقام الشريف القذافي .
آخر انتصارتاريخي ضد ذبابة قاده أوباما ، وقد أعذر بعد أن أنذرها ، لكنها كانت من فئة الذباب العنيد ، فصوب أوباما بسرعة بديهية فأصاب بدقة فطرية، ولم تمض سوى ثوان معدودة حتى أرديت الذبابة شهيدة فوق سجاد البيت الأبيض على مرأى ومسمع من العالم. الغريب أن أوباما بجلالة قدره وعظمة شأنه استعمل سلاحا يدويا في الفتك ، خلافا لما نعهده في الطبع الأمريكي القصير البال المعروف باستعمال أسلحة الدمار الشامل الفتاكة من المببيدات الحشرية لسرعتها في الحصول على النتائج . فأثبت بذلك أوباما أن بمقدور الأمريكيين البراعة في الوسائل التقليدية أيضا. فهل ياترى يحطم القذافي الرقم القياسي لأوباما في إبادة الذباب أم أنه ستطغى عليه شيمة الأصالة والحفاظ على التراث وسيستخدم المنشة فقط مرة أخرى ؟
كيفما كانت نتيجة السباق الذبابي ، فإن للدبلوماسية بين البلدين قاسم مشترك يكمن في إتقان فن قتل الذباب . لكن مهلا ورفقا يارفيق ، وحذار ثم حذار من مطبات الزمان ومفاجآت الهوان ، فلاتغرنك سلطة المنشة ، ولاتمدن رجليك كل المد ولاتثنها كل الثني فتقعد محاصرا محصورا . صحيح أنكم تملكون الغاز والنفط ، وصحيح أنكم قادرون على نتف أجنحة الذباب بغازكم وغمسه في نفطكم ، لكن أيام النفط قصيرة وأعماره يسيرة، فهل أتاك حديث الوقود الحيوي والطاقات المتجددة و المستمدة من الشمس والهواء والماء والكائنات الحية سواء النباتية أو الحيوانية منها ؟ . إنهم ينتظرون النفط المبتكر ويترقبون الغاز المنتظر ، وقد يعجل الله خالق الذباب بالفرج وظهور طاقات حديثة لاطاقة لإقتصاد بلدكم وبلدان الخليج بها ، حينها سيستولون على منشتكم ويكسرون نخوتكم .
حللتم أهلا ووطأتم سهلا بنيوجرسي ياقائد الثورة الليبية ياقذافي ياعظيم القوم ، ونسأل الله الذي لايحشر الحشرات يوم الحشر أن يرحمنا ويرحم الذباب ويرحمكم أيها الرفيق ، وأن يمن على منشتكم بطول العمر وكثرة الذباب ، وأن يديم عليكم ظل الخيام، وأن يطيل في حياتكم حتى ننتفع من ذخائر علمكم ونفائس فكركم من بقية أجزاء كتابكم الأخضر الأحمر منها والأسود .