بقلم : فؤاد وجاني
في غضون أيام قليلة سيحط معمر القذافي الرحال بولاية نيوجيرسي الأمريكية وفي يديه معجزتان عظيمتان تفرد بهما عن باقي القادة والسلاطين ، ألا وهما كتاب أخضر ومنشة ذباب . وسينصب القذافي خيمته بحي إنغلوود بأرض تملكها السفارة الليبية قاذفا الرعب في قلوب سكان حي معظمهم من اليهود . حي يكاد يهلك من الغيظ ليس لأن القذافي نسي الإتيان بالناقة والجمل فحسب ، بل بسبب حادثة الإفراج الأخيرة عن المتهم الأول في إنفجار طائرة بانام فوق لوكربي من قبل السلطات الإسكتلندية .
لاشك أن الإفراج عن المقرحي قد سبب قرحا عميقا في نفوس عائلات الضحايا على الرغم من عدم ثبوت أدلة واضحة تدينه طوال فترة الإعتقال ، حيث ظلت كارثة تحطم الطائرة لغزا عصيا عجزت عن حله رغم سمو ذكائها وطول خبرتها المخابرات الأمريكية والبريطانية . فسنحت الفرصة وهيأت الظروف لإتهام ليبيا من خلال مواطنين يعملان بشركة الخطوط الجوية الليبية بمطار لوقا بمالطة ، ونُسجت خرافة أهون من بيت العنكبوت مفادها انهما قد سهلا عملية شحن حقيبة تحتوي على متفجرات ، بل وادعت بعض الجهات الغربية أن المواطنين العاملين بالمطار عنصران قد تم تجنيدهما وتأطيرهما لصالح المخابرات الليبية .
كلنا نعلم أن رائحة العرب المسافرين في كبرى المطارات الغربية تثير النفور وتوحي بالشرور لدى السلطات، وأن رؤية العرب العابرين تجذب النظرات وجلا وتوجس الأنفاس فزعا وكأنها إشارة مرور حمراء تكبح جماح الشعور بالطمأنينة في كل مكان ، فمابالك بعاملين في مطار صغير تابع لجزيرات ثلاث تطلق على نفسها دولة وتحسب لنفسها سيادة ومساحتها تكاد لاتتعدى أخمصا صغيرا في قدم الصحراء الليبية .
إن نصب الخيمة القذافية في عقر الدار الأمريكية لتعبير عن فخر واعتزاز بنجاح ساعد الدبلوماسية الليبية في لوي ذراع الغرب المحتاج للنفط الليبي حاجة الجنين للحبل السري ، فقد هرول الرئيس السويسري هانس رودلف ميرز معتذرا بشأن حادثة الاساءة التى تعرض لها ابن الرئيس الليبي هنيبال معمر القذافي وأسرته من جانب شرطة جنيف بعد أن هدد القذافي بقطع النفط عن سويسرا قبيل حلول صقيع الخريف ، و سجدت فرنسا ذليلة وتواضعت خسيسة للعملة الليبية منقذة اقتصادها من الوقوع دون قيام في ظلمات الإفلاس بفضل الصفقات العسكرية الأخيرة .
لذلك كله سيثبت القذافي أوتاده ، وسينصب خيمته ، وسيمد رجليه ، وينشنش الذباب في أمريكا ، كما فعلها في باريس من قبل ، رغم أنف الكارهين الممتعضين من وجوده . وليس من المستبعد أن تتحول الخيمة الى مزار شريف يقصده السياسيون والسواح والمقيمون والفضوليون والثوريون والعدوانيون والمتظاهرون على حد السواء .
الذباب وحده لن يكتفي بالزيارة العابرة والعيادة المارقة، بل إنه لا محالة مخيم في خيمة القذافي المعطرة بريحة البراري . لكن الذباب هذه المرة ليس فرنسيا ولاسويسريا بل أمريكي الأصل والمنبت ، فالذباب السويسري والفرنسي رقيق فَطِنٌ لايألف الطرد ولايقوى على الضرب ، بينما الأمريكي ثخين بطِنٌ لايخيفه الهش ولايفزعه النش ، فالذباب الأمريكي هو الوحيد في زماننا الذي لايرهبه حضور العربي ، بل إن الذبابة الأمريكية ترقص فرحا وتحرك جناحيها مرحا لرؤية عربي طري يحمل بين إبطيه عرقا طازجا من بلاد تحفل بمالذ وطاب من النفايات التاريخية . وهي فرصة حميمية للذباب الأمريكي الذي ينعم بالحرية الكاذبة لإحياء صلة الرحم مع إخوته من الذباب الليبي خاصة والعربي عامة الذي لا يشم رائحة الحرية صادقة كانت أم كاذبة. وإنها لفرصة أعظم للذباب الأمريكي لتغيير مذاق الأطعمة ونكهة الأشربة ، فالذباب في نهاية المطاف حشرة نهمة شرهة ، تطير وراء غريزة بطنها ، وتحلق خلف غرير جوفها سواء أكانت أمريكية أم عربية أم سويسرية أم فرنسية.
وقد تختلف عادات الذباب وتتنوع تقاليده من مكان لآخر في المنظر لكنه يبقى ذبابا في الجوهر، وقد يكون ثقيل الدم تارة خفيف الظل أخرى ، لكنه في آخر المطاف مجرد ذباب . فإذا كان الذباب الفرنسي والسويسري يتصفان بالرقة وينعتان بالأناقة ، فإن الأمريكي فظ خشن ، لبعضه طنين يشبه دوي طائرات ف 16 ويحلق بسرعة ويجيد المناورة، ولبعضه نغمات تماثل صواريخ الأرض جو وينطلق من منصات متحركة أو ثابثة . كما أن الذباب الأمريكي يصول ويجول في كل بقاع العالم ، لاتحده جغرافية الحدود ولاتعجزه اتجاهات البوصلة .
أما داخل الوطن العربي فلايوجد قانون يمنع الإعتداء على الذباب ، لذلك فإن القذافي كسائر العرب لايتورع عن قتله بمنشته. وقد يقول قائل إن القذافي بما لايدع شكا أو ريبة سيكون حذرا في تعامله مع الذباب الأمريكي ، وإلا لحقته قضايا جنائية بحق كرامة الذباب الأمريكي قد ترفعها ضده مؤسسات حماية البيئة وهيئات الدفاع عن حقوق الحيوانات والحشرات والنباتات في العيش الكريم ، بعد أن فشلوا في اتهامه بتفجير الطائرة الأمريكية .
لكن ذلك تقدير ساذج وتخمين خاطئ ، فقد أثبت العلم والدين أن الذبابة تحول الباكتيريا الى أحد جناحيها بينما تحتفظ بمضاد الباكتيريا في جوفها ، فإذا سقط الذباب في طعام أو شراب ، فإن أفضل وسيلة للتخلص من جراثيمه غمسه كليا ثم طرحه.
أما القذافي فقد أثبت اقتصاديا أن غمس الذباب في براميل نفطية لابداية لها وأنابيب غازية لانهاية لها هو أنجع وسيلة للتخلص من التبعية السياسية والدعاوي القضائية. وفي هذا الصدد ، فإن مكتب عمدة نيوجرسي لايمانع في إقامة الخيمة القذافية على أرضه وبمدينته مقابل دفع ضرائب مالية ومستحقات جبائية لفائدة خزينة البلدية والدوائر الأمنية التي ستحرس مقام الشريف القذافي .
آخر انتصارتاريخي ضد ذبابة قاده أوباما ، وقد أعذر بعد أن أنذرها ، لكنها كانت من فئة الذباب العنيد ، فصوب أوباما بسرعة بديهية فأصاب بدقة فطرية، ولم تمض سوى ثوان معدودة حتى أرديت الذبابة شهيدة فوق سجاد البيت الأبيض على مرأى ومسمع من العالم. الغريب أن أوباما بجلالة قدره وعظمة شأنه استعمل سلاحا يدويا في الفتك ، خلافا لما نعهده في الطبع الأمريكي القصير البال المعروف باستعمال أسلحة الدمار الشامل الفتاكة من المببيدات الحشرية لسرعتها في الحصول على النتائج . فأثبت بذلك أوباما أن بمقدور الأمريكيين البراعة في الوسائل التقليدية أيضا. فهل ياترى يحطم القذافي الرقم القياسي لأوباما في إبادة الذباب أم أنه ستطغى عليه شيمة الأصالة والحفاظ على التراث وسيستخدم المنشة فقط مرة أخرى ؟
كيفما كانت نتيجة السباق الذبابي ، فإن للدبلوماسية بين البلدين قاسم مشترك يكمن في إتقان فن قتل الذباب . لكن مهلا ورفقا يارفيق ، وحذار ثم حذار من مطبات الزمان ومفاجآت الهوان ، فلاتغرنك سلطة المنشة ، ولاتمدن رجليك كل المد ولاتثنها كل الثني فتقعد محاصرا محصورا . صحيح أنكم تملكون الغاز والنفط ، وصحيح أنكم قادرون على نتف أجنحة الذباب بغازكم وغمسه في نفطكم ، لكن أيام النفط قصيرة وأعماره يسيرة، فهل أتاك حديث الوقود الحيوي والطاقات المتجددة و المستمدة من الشمس والهواء والماء والكائنات الحية سواء النباتية أو الحيوانية منها ؟ . إنهم ينتظرون النفط المبتكر ويترقبون الغاز المنتظر ، وقد يعجل الله خالق الذباب بالفرج وظهور طاقات حديثة لاطاقة لإقتصاد بلدكم وبلدان الخليج بها ، حينها سيستولون على منشتكم ويكسرون نخوتكم .
حللتم أهلا ووطأتم سهلا بنيوجرسي ياقائد الثورة الليبية ياقذافي ياعظيم القوم ، ونسأل الله الذي لايحشر الحشرات يوم الحشر أن يرحمنا ويرحم الذباب ويرحمكم أيها الرفيق ، وأن يمن على منشتكم بطول العمر وكثرة الذباب ، وأن يديم عليكم ظل الخيام، وأن يطيل في حياتكم حتى ننتفع من ذخائر علمكم ونفائس فكركم من بقية أجزاء كتابكم الأخضر الأحمر منها والأسود .
الخميس، سبتمبر 3
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق