الأربعاء، سبتمبر 24

صائمون وصائمات ..... والله أعلم !











بقلم : فؤاد وجاني

الحمد لله الذي لايعبد من سواه على نعمة رمضان، والحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه. وكل كلام أو مقال لايبدأ بالحمدلة فهو أجذم ولشكر العبد لخالقه على عطاياه وكرمه لأجدر . وإني قد وجدت في المحبرة نعمة لاتدعني حتى المقبرة ، وفي الفزع اليومي تهييجا لقريحة الكتابة الهدفية بدل العبثية .
وقد انتابتني مؤخرا حالة من الجزع والذهول بعد ان اطلعت على على حجم استهلاك الدول العربية خلال شهر رمضان . وقد كنت أحسب الأمريكيين أكثر الأقوام استهلاكا وأعظمهم تبذيرا لخيرات الأرض، فإذا بإخواننا في الدم والعروبة وأشقائنا في الإنتماء أكثر فسادا وإسرافا بل وعتيا فيما يخرج من الأرض ومايدخل فيها. وإذا بدولة كقطر تكاد لاتتجاوز مساحتها حجم ولاية كوناتيكت تستهلك أزيد من 178 مليون دولار من المواد الغذائية في شهر رمضان وحده ، أما الطامة الكبرى فبالسعودية مركز القبلة الإسلامية والصبغة الربانية حيث يستهلك أهلها ربع مليون طن من التمر خلال شهر الصيام فقط .
وقد تدور عيناك أيها القارئ وأنت تتجول بقدميك بكل الأسواق العربية في شهر رمضان الكريم، فبمصر تراها تعج بصنوف من الثمار واللفائف وأكياس جوز الهند ومنتوجات السند والبرقوق الطري والمجفف والجزر المخلل والفلفل الحار والبارد. ولتسمعن صياح بائعي الكنافة والقطايف بألوانها في بلاد الشام فمنها المطبوخة في الفرن البلدي ومنها العصرية ، ولتسحبنك قوة الشم وسلطة الفضول الى بلاد المغرب حيث يتفاخر أهلها بألوان الحلوى المعسلة والمنمقة وأطباق الكسكس المعبقة. ويستفحش الأمر ليتعدى مايملأ به العربي معدته الى ماتلتهمه عيناه ويخدر عقله من فوازير ومسلسلات ومسابقات رمضانية على الرغم من تفاهتها وقلة حيائها وزيادة خلاعتها، وتتنوع وسائل المشاركة الغير مجانية في تلك اللاأخلاقيات الرمضانية بين الاتصال و ارسال الخطابات الهاتفية او عبر البريد الالكتروني .
بل إن الفحشاء أعظم وإن الخطب أهول من ذلك كله، حيث مايكاد يبزغ هلال رمضان حتى يسارع أرباب الفنادق بمكة المكرمة في زيادة أسعارهم لتصل الى ثمانية وتسعة آلاف ريال لليلة الواحدة استقبالا وحفاوة بسياح رمضان المعتمرين الميسورين الذين يصل عددهم الى نحو 5 ملايين نسمة. وطبعا هؤلاء من الذين أنعم الله عليهم فحمدوه وشكروه على فضله ، فقدموا من كل حدب وصوب لتبذير الأموال بفنادق من فئة أربعة وخمسة نجوم بدل إنفاقها على اليتامى والمحتاجين والمرضى ، وكأن زيادة النجوم الساطعة بالمدينة المنورة (المظلمة بأهلها) تقربهم الى السماء السابعة وتكفيهم حسد الفقراء المعوزين من عامة المسلمين ، لينتهي رمضان ويرجع الواحد منهم الى بلاده متفاخرا مزهوا بعمرته وكأنها وشاح ديني يرفع مكانته بين المهنئين المرائين الذين جاؤوا لتهنئته بسلامة قدومه لما فيها من سلامة لمصالحهم وأطماعهم في أمواله.
أما حال الموظفين بالإدارات العربية فيرثى له وتضرب له الأخماس في الأسداس إشفاقا على المواطنين الذين تضيع معاملاتهم بين كسل و تهاون الإداريين المتحججين برمضان ليزيدوا في بلة الطين وليرغموا المساكين على دفع المزيد من الرشاوي لقضاء حاجاتهم ، فثمن الرشوة بشهر الصيام أبهظ من غيرها من الأيام !
هذا حال قومنا في شهر رمضان بين البذخ والرياء وتضييع الوقت واستنزاف دماء الناس . وقد نسوا عمدا أنه ليس في الصيام رياء، وأن رمضان جامعة المعارف والفضائل لاشهادة فيها للمبذرين تاركي الطعام والشراب والنكاح بالنهار والمسرفين على أنفسهم إبان الغروب وكأنهم يعبدون الشمس من دون الله ، بل درجة الشرف فيها بامتياز للصابرين الذين يفقهون روح وماهية الصيام .
إن ترك الطعام والشراب والزاد والصبر على الجوع تقليد قديم قدم الإنسان كتب على أهل الكتاب قبل الإسلام فصام اليهود والنصارى لكنهم ماعبثوا بشريعة الصيام ولم يتخذوها محفلا للتبذير، كما يفعل عرب اليوم، بل فرصة لاعوض عنها للتحلي بالصبر والإرشاد في الإنفاق .
تعود بي ذاكرة التاريخ ، كعادتها المؤلمة، الى الزمن الجميل الى زمن عمر بن الخطاب وتحديدا الى عام الرمادة أشد الأعوام قحطا وجدبا بين سائر السنين . وماأدراك من عمر! يأبى أكل لقمة واحدة في عام الرمادة ويؤثر الفقراء على نفسه وإن كان أشدهم عوزا وخصاصة، علما أن الدنيا من غربها الى شرقها بخنصره قبل قبضته . كان ذلك سلوك الأبطال في الأيام الخوالي العادية فمابالك بأعظم الأشهر شهر رمضان. وماموقع أهل الجزيرة والشام ومصر والمغرب في خريطة رمضان الصحيحة ؟ أترك لكم الإجابة...

ليست هناك تعليقات: