الأحد، ديسمبر 14

صباح النعال عليكم

بقلم: فؤاد وجاني

لاأحسبنكم تقرؤون الكتاب من عنوانه فلاتظنن أن في مقالتي سبابا لكم يامعشر القراء معاذ الله.

بل إن في النعل خيرا كثيرا وإني قد صممت أن أعوض تحية صباح الخير والورد والعسل والفل والحب والياسمين بصباح النعال والأحذية أقولها لكل من ألقاه صباحا.

كيف لاأعوض الخير بالنعال وقد أمطرت السماء نعلين مباركتين أخصبتا أرضنا، وفكتا عقد أحذيتنا، واعتقتا حرياتنا وكراماتنا، فانتبهنا الى أسلحة التدمير الشامل التي نلبسها كل يوم: تدمير الخنوع والإستسلام والخوف.

لم يكن منتظر زعيم بلد كخروتشوف السوفيتي الذي خلع نعله عام 1960 أمام الملأ في جلسة للامم المتحدة وراح يضرب بها على الطاولة متحديا رئيس وزراء الامبريالية البريطانية هارولد مكميلان أثناء مناقشة الاقتراحات السوفيتية بشأن الحد من التسلح مسببا بذلك انهيار الدولار في اليوم الموالي.
ولم يكن منتظر يلبس حذاء زجاجيا كحذاء سندريلا التي سلبت قلب الأمير برقتها وسحر جمالها وتخلصت من فقرها وغطرسة زوجة أبيها واهتدت لطريق السعادة.

ولم يكن منتظر نبيا كنبي الله موسى عليه السلام، يخلع نعليه في لحظة نورانية متوهجة بالوادي المقدس طوى بعد أن اختاره الله من بين البشر لاستلام الوحي، وكان موسى قبلها قد ظن أنه ضل الطريق فإذا به يستأنس بالهداية ويكلف بدعوة الناس أجمعين.

لكن منتظر رجل بسيط دخل التاريخ بنعل مقاسها عشرة بالمعيار الأمريكي لأنه رمى فأصاب قلوبنا، وأعاد الكرامة لأمتنا، وزرع الورد في صدورنا، وبعث روح الأمل في نفوسنا، فاضحى نبي ثورة الأحذية بلامنازع.

انتظرناه طويلا فهل علينا كالعيد في غمرة الأحزان، كالغيث في خضم أجدب السنوات، كإشراقة شمس بعد ليل بارد طويل. و بفضل المنتظر، التحم العرب والأمريكيون والمسلمون وأحرار العالم وتوحدوا تحت لواء ثورة الأحذية.

ختم منتظر رحلة بوش بجزمة قديمة كما يقول إخواننا المصريون وصمت المعاهدة الأمنية بالفشل والعار، وهزت أركان حكومة الدمى التي يتزعمها المرتزقان المالكي وقرينه طالباني، مثبتا للعالم بأن العراق لن يحكمه سوى الشرفاء الأتقياء.

وعاد بوش أدراجه مقهورا الى واشنطن ليحتفل بأعياد الميلاد والسنة الجديدة وفي جعبته هدية تاريخية من أشجع أبطال العراق: نعلان وكأنهما خيبتان الأولى في العراق والثانية في أمريكا.

نعلا المنتظر بمثابة صحوة لبوش ولمن يغط معه في نومهم الثقيل وأحلامهم بالحليب والعسل في بلاد مابين النهرين كما حلم الفارسيون والمقدنيون والمغوليون والعثمانيون والبريطانيون من قبلهم، ليستفيقوا على نار لم تخمد جذوتها حتى الهزيمة والرحيل. ولو درس هؤلاء التاريخ لعلموا أن العراق كان وسيظل أرض الحضارات السومرية والبابلية والآشورية والإسلامية ومفخرة العالمين.

لم يبقى على رحيل بوش سوى شهر وقد ارتكب أكبر خطأين تاريخيين: الأول غزوه للعراق والثاني أفغانستان. احتلال أفغانستان قد يكون الحلقة الاخيرة في مسلسل الأخطاء الإستراتيجية والتاريخية لآل بوش والتي سيتحمل عقباها العالم والشعب الأمريكي والرئيس الجديد والرابع والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية.

لست من الذين يؤمنون بأقوال المنجمين وتأويلات الرقميين، لكن بوش اعتذر للشعب الأمريكي في الواحد من ديسمبر من هذه السنة في نفس اليوم الذي ساعد فيه بوش الأب أوكرانيا على الإستقلال وبداية انهيار الإتحاد السوفياتي في 1991. كما أن السوفيات نبشوا قبرهم بأيديهم باحتلالهم أفغانستان وبوش زج بأمريكا في غيابات جبال تورا بورا. كما أن ملامح انهيار الإقتصاد الأمريكي اشتدت بعجز كارثي في الميزانية وإفلاس المصارف وانتشار البطالة وهي نفس أعراض تفكك الإتحاد السوفياتي سابقا.

إذا زاد الأمر استفحالا، فلااستبعد مطالبة بعض الولايات بالتحرر والإستقلال. ولاأستغرب أن تخوض ولاية تكساس أول استفتاء عام تطالب فيه بالانفصال كمافعلت في الماضي لكن نسبة النجاح هذه المرة ستكون لامحالة مؤكدة، فآل بوش هم سباقون الى "الخير" أبدا حيثما حلوا وارتحلوا.

على أية حال، إن لي نعلين قديمتين جدا سأتبرع بواحدة منهما في طرد سريع لفائدة بوش الصغير قبل مغادرته البيت الأبيض هدية مني بمناسبة السنة الجديدة وتهنيئا على فشله وآله في نشر "الديموقراطية" و"الحرية" في الشرق الأوسط، أما النعل الثانية فسأبعث بها لأول رئيس عربي يسقط إبان حدوث ثورة الأحذية والتي من المقرر أن تتنحى لها رؤوس ذبلت عن مناصبها قريبا.

وحري ببوش ومن والاه من الهالكي والكالباني أن يشكروا منتظر الزيدي على شجاعته وصراحته في التعبير عن غضب الأمريكيين من المحيط الهادي الى الأطلسي وآلام العرب من المغرب الى مابين بلاد النهرين. والأجدر بالشارعين العربي والأمريكي التضامن مع منتظر لأننا جميعا في سفينة واحدة تقودها رؤوس فاشلة، ولأننا جميعا منتظر.

تصبحون على النعال.

ليست هناك تعليقات: