بقلم: فؤاد وجاني
في يومياته الكاملة ، في المجلد الثاني صفحة 711 رسم تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية مساحة الدولة اليهودية "من نيل مصر الى الفرات". وقبل أزيد من نصف قرن من الزمان ، سجل الصحفي الهندي كرانجيا للتاريخ كتابا بعنوان «خنجر إسرائيل» تضمن وثيقة سرية إسرائيلية عن خطة عسكرية تهدف إلى إقامة إسرائيل الكبرى من نهر النيل إلى الفرات ، وتقضي الخطة كذلك بتقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات درزية وعلوية وعربية سنية وتقسيم لبنان إلى دولتين مارونية وشيعية.
وفي عددها الرابع عشر من شهر شباط/فبراير لسنة 1982، كانت مجلة كيفونيم الناطقة بلسان الحركة الصهيونية والصادرة في القدس المحتلة قد أعلنت عن المشروع الصهيوني لتقسيم دول عربية من بينها مصر وليبيا والسودان وسوريا والعراق الى دويلات صغيرة عبر الإعتماد على زرع بذر الفتنة العرقية والإنقسامات المذهبية والدينية . وجاء في الفقرة المتعلقة بتفتيت العراق : "أما العراق، ذلك البلد الغني بموارده النفطية والذي تتنازعه الصراعات الداخلية، فهو يقع على خط المواجهة مع إسرائيل. ويعد تفكيكه أمرا مهما لإسرائيل، بل إنه أكثر أهمية من تفكيك سوريا ، لأن العراق يمثل على المدى القريب أخطر تهديد لإسرائيل ".
وبعد ست سنوات من ذلك ، صرح مارتن أنديك وزير الخارجية الأمريكية آنذاك لجريدة الأهرام المصرية في عددها الصادر في اليوم الثاني عشر من ديسمبر لسنة 1998 بخطة تقسيم العراق الى ثلاث دويلات فيدرالية على أساس عرقي ومذهبي هي : كردستان وسنستان وشيعستان بعد الإطاحة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين.
تسع سنوات بعد ذلك ، يصوت مجلس الشيوخ الأمريكي في يوم 26/9/2007 لصالح مشروع تقسيم العراق بنسبة 75 صوتا مقابل معارضة 23 فقط . من بين المصوتين بالإيجاب السيناتور جوزيف بايدن رئيس لجنة العلاقات الخارجية آنذاك في مجلس الشيوخ ونائب الرئيس الأمريكي الحالي ، والسيناتورة هيلاري كلينتون آنذاك ووزيرة الخارجية الأمريكية حاليا لصالح مخطط التقسيم، بينما التزم السيناتور باراك أوباما آنذاك والرئيس الأمريكي الحالي موقف الحياد.وكما ترون فإن ترشيح كل من بايدن لمنصب نائب الرئيس وهيلاري كلينتون لقيادة الدبلوماسية الخارجية الأمريكية لم يأت محض الصدفة ، خاصة بعد الفشل الذريع للحصار الإقتصادي وللنهج العسكري في تقسيم العراق لإدارة بوش الأب والإبن ومهندس الحرب الحاكم بول بريمير في العراق.
الحكومة العراقية نفسها، والتي تعتبر حكومة غير شرعية طبقا للأعراف والقوانين الدولية كونها صنعت بيد الإحتلال وأن الدستور العراقي الحالي يكب في صالح المشروع الصهيوني ، لم تنس نصيبها من "كعكة" التقسيم، فقبل عام من قرار مجلس الشيوخ الأمريكي أي في سنة 2006، صوت النواب العراقيون بأغلبية 148صوتا لحساب قانون يتم بموجبه تشكيل الأقاليم من محافظة واحدة أو أكثر عبر الإستفتاء الشعبي لثلثي سكان المحافظات. وقد تبنت القرار الأحزاب الكردية وكتلة أياد علاوي وبعض الأحزاب الموالية لإيران آنذاك.
السؤال إذن لماذا فشل مشروع التقسيم الإسرائيلي الذي استخدم اداة أمريكية خاصة إذا كانت القوى العراقية نفسها قد وافقت عليه سواء ؟ ولست أتحدث هنا عن قرار الشعب العراقي المعروف بوحدته وحبه للعراق رغم اختلاف انتماءاته الدينية والمذهبية والعقائدية والفكرية.فالشعب العراقي لايمكن أن يوافق على مشروع التقسيم.
لقد فشل المشروع الصهيوني في إحداث شرخ في جدار الوحدة العراقي على أساس ديني بين الشيعة والسنة والمسيحيين والعلويين والمندائيين واليزيديين واليهود أنفسهم وكافة المعتقدات الأخرى . لكن الصهيونية سواء المسيحية أو اليهودية تعول على العنصر العرقي وخاصة على الحاكمين الأكراد في الشمال . الأكراد بدأوا في طرد الأقليات الغير كردية من كردستان كالتركمان والعرب، بل استقطبوا أكرادا من الدول المجارورة كسوريا وإيران وتركيا ومنحوهم الجنسية العراقية وأنزلوا العلم العراقي مستبدلينه بعلم كردستان.
اقتصاديا ، كردستان محاصرة من تركيا وإيران وسوريا والعراق. ويمكن القول إن أي استقلال لكردستان يهدد أمن ومستقبل كردستان نفسها ومستقبل الدول المجاورة قاطبة وقد يؤدي الى حدوث سيناريو شبيه ب"البوسنة" ودول البلقان تكون ضحيته كردستان بالدرجة الأولى. من جهة هناك عامل النفط ،فالحكومة المركزية ببغداد في يدها الورقة النفطية عبر التحكم في حقول كركوك. أما تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية فبإمكانها متى شاءت استعمال ورقة الماء للضغط على العناصر الكردية بعد أن أقامت عدة سدود للحد من تدفق المياه . حيث يبقى الماء رمز الوحدة العراقي في إفشال المخطط الصهيوني ، حيث ينبع نهرا دجلة والفرات من الجبال التركية. كما يعبر الفرات سوريا قبل العراق، بينما يمر نهر دجلة بالعراق بعد عبوره الحدود السورية التركية لكنه يتلقى أيضا مياه روافد عدة تنبع من ايران.ويروي النهران العراق من الشمال الى الجنوب قبل ان يكونا شط العرب الذي يصب في مياه الخليج.
عسكريا، وجود إيران في المنطقة يفيد وحدة العراق . فانفراد إيران بالقوة العسكرية والصناعية في الشرق الأوسط يعد خطرا يهدد مستقبل إسرائيل ومصالح أمريكا في الخليج العربي. بل إن مشروع إيران القومي المفترض جعل المرجع الشيعي آية الله حسين المؤيد يتهم إيران بأنها "أكثر خطرا على الدول العربية من أمريكا وإسرائيل"، وأضاف أن لديها "مشروعا قوميا" على حد قوله، يهدف إلى السيطرة على المنطقة . وقد غير جيش المهدي نهجه ودعا الى وحدة وتحرير العراق بعد أن كان قد استولى على محافظة البصرة.
سياسيا، بدأت بوادر قومية عراقية جديدة تعتبر نفسها طرفا وليس نخبة في التشكيلة العراقية تدعو للتعايش واحترام حرية وحقوق الآخرين في المشاركة في السلطة بل وحقها في القيادة.
وقد أعلنت الحكومة الأمريكية فشلها في رسم معالم خريطة التقسيم ممثلة بسفيرها في العراق ،المقال سنة 2009، ريان كروكر الذي أعلن في رد على سؤال السيناتور جون ماكين في جلسة استماع أمام الكونغرس في 2007 أنه " يجب على العراقيين أنفسهم أن يحددوا معالم دولتهم في المستقبل". يأتي هذا الرد أمام رجل وعد الشعب الأمريكي بالبقاء في العراق مدة 100 عام ، ولم يخف عدم معارضته للتطهير العرقي في العراق كماحدث في البلقان معترفا بصراحة : "لماذا لاندعه يحدث (التطهير العرقي)؟".
خلاصة القول ، نجاح المشروع الصهيوني في تقسيم بلد النخيل يبقى مستحيلا إلا إذا استطاعت الحركة الصهيوينية تغيير الخريطة التي رسمتها الطبيعة للعراق وللإنسان العراقي عبر تغيير مسار الماء ومواقع النفط وشخصية الإنسان العراقي وهو أمر أكثر استحالة. وأعتقد أن الأمثال تخرج من رحم واقع الشعوب خلافا للسياسة التي قد تفرز أشخاصا لايمتون للشعب والأرض والتاريخ بصلة ، لذلك لاأجد قولا أكثر تعبيرا عن المأزق الذي وضعته الصهيونية لنفسها في العراق أكثر من المثل العراقي الدارج الذي يفهم العراقيون معناه تماما : "ياحافر البير لاتغمج مساحيها خاف الفلك يندار وانت تكع بيها".
الأحد، يونيو 7
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق