الأحد، يونيو 21

إعلام الثعالب ضد شعب إيران وقائدها











بقلم: فؤاد وجاني

ضحكت ضحكا كثيرا حد القهقهة وظهور النواجذ حين سمعت مذيع قناة فوكس الأمريكية يشير الى احتمال حدوث انقلاب شعبي ضد الحكومة الإيرانية والرئيس المنتخب أحمدي نجاد عن طريق تسخير تقنيات الإتصال عبر الإنترنت في مواقع "تويتر" و"فيس بوك" و"اليوتوب" ، حيث تقوم بعض الفئات الشابة من إيران بإرسال خطابات ونشر شرائط مصورة تؤرخ لبعض الأحداث الجارية هناك، وبعضها ينشر في مواقع الجرائد والأخبار والمنتديات والمدونات .
لاجدل أن عصر إلقاء القنابل النووية قد ولى دون رجعة، وأن احتمال الزج بالجيش الأمريكي في حرب ضروس ضد إيران أمر مستبعد، على الأقل في وقت يتكبد فيه خسائر يومية فادحة في العراق وأفغانستان ، أنهكت الخزينة المالية ونخرت عظم الإقتصاد الغربي قاطبة. إنه عصر غسل أدمغة الجماهير عبر شن حروب إعلامية تهدف الى تغيير القرار السياسي و تدعو الى حرية مزعومة وديموقراطية كاذبة ، تقوض أركان المؤسسات المناوئة والحكومات العادلة ، وتقلب موازين السلط لتضعها في أيد تيارات موالية وحليفة ليس لها مبدأ ولاعقيدة ولاهوية، ولاتخدم الأوطان والشعوب بل المصالح الإمبريالية.
على المستوى السياسي ، فإن الطلقات النارية الإعلامية التي لن تصيب، قد أحدثت جدلا قد يؤدي الى اتخاذ قرار سياسي في أجنحة الكونغرس الأمريكي، وبينما التزم أوباما موقف الحياد ، شكك نائبه جوزيف بايدن في صحة الإنتخابات الإيرانية .
وتفخر قناة فوكس ،أحد أكبر مروجي الحروب والنزاعات في العالم، بأنها الوحيدة ضمن القنوات الأمريكية التي غطت احداث الشغب في إيران تغطية مستمرة ولأسبوع كامل وعبر بث مباشر، وكأن الأمريكيين بخير وعلى خير لاينقصهم سوى النظر في الوجوه الإيرانية العزيزة . البطالة وأزمات السكن والصحة والتعليم وتدني المستوى المعيشي للمواطن الأمريكي، كلها قضايا هامشية بالنسبة لقناة فوكس الإعلامية .
وينطبق الإسم على المسمى ، ف"فوكس" تعني الثعلب بالفصحى ، ولاشك أن الصهيونية تتخذ من نفس الحيوان شعارا لها. فقد أصبحت قناة الثعلب "فوكس" ومثيلاتها هي الناطقة بلسان الحركة المسيحية المتصهينة ، ولايهدأ لها وبال ولايستقر لها حال دون إثارة الفتن كما يحلو لحكومة الكيان الصهيوني "إسرائيل"، كما تتفتح شهية الثعلب للاقتيات في الظلام . وفي كل ذلك تتذرع بضرورة نشر الديموقراطية في إيران ، والمساواة بين الرجال والنساء ، ونزع الحجاب، وإلغاء الحكم الإسلامي بإيران، وكأن الإنتخابات التي جرت كانت لعبة أطفال.
أزيد من أربعة وعشرين مليون صوتوا لصالح أحمدي نجاد بينما منح ثلاثة عشر مليون صوتهم للمرشح مير حسين موسوي. تلك هي الحقيقية العلمية الوحيدة في حسابات التصويت . لكن يبدو أن "فوكس" لم تقتنع بنتائج الإنتخابات الرئاسية الإيرانية ، فأرادتها أن تكون على هواهها وطيب خاطرها ، وراحت تولول وترثي إعلامياعلى شأن ميت. ربما لوكان الخوارزمي ، ذو الأصل الفارسي والثقافة العربية ومؤسس الجبر، بيننا اليوم لأثبت عبر معادلات علوم الجبر والمقابلة الرياضية بأن نتائج الإنتخابات الإيرانية عادلة أو جد ديموقراطية (حسب تعبير الغرب نفسه).
"فوكس" وكغيرها من المتحاملين على إيران وشعبها بمن فيهم المعارضين أنفسهم، يستغلون تقنية الإتصالات العصرية وشغف الشباب بها الذي ظل يستشهد ب "اليوتوب" و"تويتر" و"الفيس بوك" أكثر من شهادة لاإله إلا الله محمد رسول بالله ، في إثارة الفتن ومحاولة التأثير على مقومات الثورة والحضارة الإسلامية بإيران . وفي ذلك الصدد ، استدعت "فوكس" ماأسمتهم بخبراء ومحللين إيرانيين، ولاأحسبهم سوى مرتزقة إعلام، ليدلوا بدلوهم الفارغ على مجريات الشغب في إيران.
وتجمهرت ثلة من الشباب الايرانيين الحريصين على ترطيب الشعر بمساحيق مصنوعة في مختبرات "جونسون أند جونسون"، وجماعات من الشابات الإيرانييات مبديات لزينة أفخاذهن ولغجرية شفاههن بلوس أنجليس وواشنطن وسياتل ومدن أمريكية أخرى ، وقد شغفوا حبا بأخلاق هوليود وتعاليم الحرية على مذهب أئمة "فوكس" . وراحت عدسات الإعلام المتصهين تلتقط لهم صورا وكأنهم صوت الغالبية بإيران صانعة منهم أبطالا خرافيين في شريط سينمائي خيالي لن يتم إخراجه .
لماذا لاتشن قنوات الثعالب، المتخصصة في غسيل دماغ الإنسان الأمريكي العادي ذو الطبع الميال الى الحق، حملتها ضد بلدان عربية ، لاداعي لتسميتها حفاظا على ماء الوجه، لم تقم فيها انتخابات رئاسية بالأصل، ولامجال فيها للمواطن بإبداء رأيه فبالأحرى صوته ، وحتى تلك التي تقام فيها الإنتخابات فينجح فيها الرئيس أو القائد العربي بنسبة تسعة وتسعين بالمائة ، وهي نسبة رياضيا مستحيلة .
أم أن تلك الدول لاحرج عليها في شأن الديموقراطية ، تكتم أنفاس شعوبها عبر نشر الجهل والفقر والجوع والخوف ، وتهب خيراتها للغرب دون حساب أو عقاب. أم أن أولئك لاخوف منهم ولاهم ينتخبون .
واليكم لماذا يكرهون إيران وأحمدي نجاد :لأن هذا القائد المتواضع العظيم يتقاضى مئتين وخمسين دولارا في الشهر والحمد لله على نعمه، أي تكلفة ليلة واحدة في فندق من فئة نجمتين في دولة خليجية أوثمن قنينة نبيذ من النوع الرديء يتناولها أمير عربي ساقط في إحدى نزواته الليلية.
وفي الماضي، حين التقت قناة "فوكس" التلفزية بأحمدي نجاد إبان حضوره إحدى جلسات الأمم المتحدة ، سأله مذيعها سؤالا ينطوي على اللؤم والخبث : "حين ترى نفسك في المرآة صباحا ، ماذا تقول لنفسك ؟" . ببساطة عالية وعفوية بالغة ، أجاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد : "أرى الشخص الذي تعكسه المرآة، فأقول له : تذكر أنك لست سوى خادم صغير ، وأمامك اليوم مسؤولية جسيمة وهي خدمة الأمة الإيرانية ".
هنا أستحضر قول أحد الأمراء العرب ، حين سأله صحفي وهو يستقل طائرة حكومية فاخرة: "سمعت أن شخصكم الكريم لاينام ؟". فاتى جواب الأمير العربي بعفوية أيضا لكنها تنم عن حقيقة جاهل : "لاأنام لأني أحب مشاهدة كرة القدم والأفلام " .
إنه اختلاف أكيد بين عقلية القيادة العربية التي تنحو منحى الصرصور في اللهو وبين عقلية النملة الإيرانية التي تدب وتكد نصبا من أجل مستقبل مشرق لإيران والعالم الإسلامي عموما.
إيران اليوم أقوى دولة صناعية لها تطلعات نووية تنافس الكيان الصهيوني "إسرائيل" ، بل إنها الوحيدة التي ينطبق عليها مفهوم الدولة لأنها تتمتع بالإستقلال والإكتفاء الذاتيين في الشرق الأوسط ، وهي قادرة على قلب ميزان الإستراتيجيات الدولية عبر إنشاء أحلاف مع تركيا وروسيا والصين وبعض دول شرق وسط آسيا كطاجيكستان وقيرغيستان وكازاخستان وأوزباكستان وبعض دول أمريكا اللاتينية كفنزويلا وكوبا وبوليفيا، مما قد يعزل مايسمى ب"إسرائيل" تماما إلا من مساندة حميمية لبعض الحكومات الغربية والعربية "الصديقة" و"الشقيقة" . وهذا مايؤلم بعض الساسة الأوروبيين والأمريكيين والعرب أنفسهم الحليفين للكيان الصهيوني.
شخصيا ، وإن كنت لاأتفق مع بعض مبادئ الثورة الإسلامية بإيران ، لكنني أعد إيران أكبر دولة ديموقراطية عادلة في الشرق الأوسط ، وأحيي إيران وأحمدي نجاد ومؤسسي الثورة الإسلامية على إيمانهم بمبادئ ثورتهم نصرة للعدل ونبذا للظلم.
وأحسب إيران أختا لنا في العقيدة والدين والتراث والتاريخ والعلم والحضارة ، فلولا إسهام الفرس في العلوم عبر التاريخ ، لكان العالم لازال يركب الحمير اليوم، و لبقينا في العصور الوسطى ، و أتحدى أي مؤرخ عربي أو عجمي أن يحصي علماء وفلاسفة وأطباء ومهندسين وجغرافيين وشعراء ولغويين وفقهاء أنجبتهم أية بقعة على البسيطة الكروية أكثر ممن أنجبتهم بلاد فارس . اللائحة طويلة ولامجال لحصرها، فابحثوا عن أصل ابن رشد والجرجاني وابن سينا والخوارزمي والبخاري والخيام وسيبويه والفارابي وغيرهم كثير.
يوم كانت لغة العالم هي الفصحى ، منحنا نحن العرب بلاد فارس اللسان العربي فمنحونا علوما وآدابا في المقابل، فكان التزاوج المثمر، وكانت الفصحى خير تقنية اتصال أخرجت العالم من الظلام الى النور وأسست لركائز العلم الذي نجني ثمراته اليوم.
وأخيرا وليس آخرا، الى كل الإعلاميين والأفراد الأحرار في الغرب والشرق ، وبكل لغات العالم ، أوجه ندائي للتصدي للحملات الإعلامية الصهيونية الإمبريالية المغرضة الهوجاء ضد شعب وحضارة إيران ووحدة العالم الإسلامي ، وألف مبروك لفوز أحمدي نجاد والثورة الإسلامية والشعب الإيراني في عرس الإنتخابات الرئاسية الديموقراطية النزيهة.
وختاما ، فإن تودد قناة فوكس والإعلام الإمبريالي الى المعارضة الإيرانية ، يجعلني استحضر موقف الثعلب الخبيث من الديك ذات يوم ، حيث اعتلى الديك شجرة ليؤذن لصلاة الفجر، فجاء الثعلب وناداه من تحتها : "انزل ، بارك الله فيك، لنصلياها جماعة" ، تردد الديك لوهلة وأطرق يفكر : "أيعقل أن يتوب الديك بين ليلة وفجرها!! وكيف لايتوب الثعلب والله خير التوابين ؟ وصلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة". فنزل الديك ليقع بين فكي الثعلب الذي حمد الله وأثنى عليه لما وهبه من فطنة ماكرة وشكره على نية الديك الطاهرة وحمده على مارزقه من وجبة فاخرة .
"ويمكرون ويمكر الله ، والله خير الماكرين" ، صدق الله العظيم ، فلن ينزل الديك ولن يصليها جماعة ، وليتضور اعلام الثعالب جوعا، وليشرب إعلام الثعالب سما ملؤه بحر الخليح غيظا وحقدا.

ليست هناك تعليقات: