كارتر ولعبة الوقت بدل الضائع مع حماس
بقلم :محمد لافي "الجبريني"
شكلت لقاءات الرئيس الامريكي جيمي كارتر مع قادة حماس مادة نوعية لتثير جدلا في كل اتجاهات العمل السياسي الفلسطيني سواء المناوء لحماس ككيان، فكر، ومنهج، او المؤيدين لها بذات الافرع، أو حتى لمن يقفون في الوسط وهم يشكلون حالة المعارضة الجذرية والمطالب الجذرية التي تعود بالقضية الى أساسها الاول برفض وجود الكيان المحتل والتحرير الكامل.
فمن جانب بدأت التيارات الموالية لسلطة رام الله تجد أن هذه الفرصة مع كارتر ستشكل نجاحا نوعيا لحماس حتى ولو لم يكن هذا اللقاء الا مع رئيس سابق للولايات المتحدة لا يلزم الدولة العظمى بشيء، فإنه يشكل اضافة سياسية لحماس مما يعني ان هذا "المكسب" وفق رؤيتها لا يمكن ان يحدث الا اذا اخذ من الحظوة السلطوية في رام الله ، وبالتالي تحرير شيء من قبضة الحصار السياسي الدولي على حماس، وإعطائها شيئا من المصداقية والكيانية في الاوساط الدولية، خاصة وهي تسمع كارتر يطالب بإشراك حماس ويؤكد مجددا ان لا حل يمكن ان ينجح دون اشراك حماس في العملية السياسية كممثل لجزء مهم من الشعب الفلسطيني، دون ان يلغي هذا لديهم فسحة الامل بأن هذا لن يغير شيئا طالما سيد البيت الابيض لم يقر الامر، وطالما ان "اسرائيل" اعتبرت كارتر شخصية مرغوب بها، وإن استضافته في القدس هي فقط من باب الدبلوماسية ولسماع ما جاء به من طرف "الحزب الاخضر".
من طرفهم فإن حماس وتيار من جمهورها وان كانوا قد حملوا آمالا كبيرة على هذه الفرصة التي دشنتها تصريحات كارتر حول فك العزلة عنهم وإعادتهم الى الواجهة السياسية، فلا زالت الريبة تأخذهم من جدية هذه المواقف وهم يعدون الساعات المتبقية قبل المواجهة القاسية مع الكيان في غزة، ورغم القناعة لدى الحركة بأن أفضل ما يمكن أن يكون هو اعتراف على لسان عراب امريكي مهم للسلام مثل كارتر -الذي على يديه نصبت الخيام في مزارع كامب ديفيد في 1977- فهو ما ترى فيه حماس على العموم نجاحا على المستوى العالمي، بل وليصبح جيمي كارتر شريكا لحماس في كتابة الرسائل البليغة للعالم وفق تعابير كتاب الحركة انفسهم.
اذن، فمالذي يعنيه هذا؟ اهو نجاح لحماس في وجه معاريضها؟ ام سقوط كما يلمح له آخرون بذريعة ان اول الرقص حنجلة، وهي التي ما عادت تجد ضيرا في التصريح على لسان رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل بأن دولة على حدود 67 هي خيارها الاستراتيجي، وهو مايعيد الى الاذهان فلسفة حركة فتح التي تبنتها بعد 1974 والقائلة بإقامة الدولة على اي شبر محرر؟
بدون ريب فإن الحركة السياسية العربية منذ سقوطها في الاحضان الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وهي تجد نفسها دائما متورطة في خيارات فرضتها الوعود الكاذبة عليها، لتنتقل من حالة تهاوي مرة أعمق مما سبقها.
وبعد الانعطافة التاريخية التي اتجه نحوه العالم بيد الولايات المتحدة الامريكية بعد 11 أيلول، أخذ الامر سياقا مختلفا، وهو الضغط بقوة وتحاشي الاساليب الناعمة السياسية التي كانت بريطانيا عرابتها.
نجحت تلك القوة على ما ظهر في زيادة ليونة من هم جاهزون لليونة أصلا، فأخذت الكثير من المكاسب ممن وجدوا في التماهي مع الارادة الامريكية خير وسيلة لدرء تهديداتها، وعدم دخول حالات تشبه افغانستان والعراق، او حتى على الاقل سوريا .
وكما هو الامر في كل حالات التغيير الطبيعية، كان لهذا الاسلوب الامريكي المتفرد الاثر العكسي الذي خلف وراءه المزيد من التقدم في مواقف المعارضين له، ويزيد من شعبيتهم في نفسية الشعوب التي وجدت ولو من باب التعاطف القلبي فرصة لإستشعار احساسها بممانعة هذه السطوة الفجة.
وإذا كان الحديث يدور عن فلسطين فقد مثلت "اسرائيل" الدور الامريكي في الارض المحتلة، فيما إختار تيار السلطة الارتباط السياسي، واختارت حماس ومن لف لفها من قوى المقاومة الممانعة، وهو الامر الذي ادى بنتائجه العكسية لتتحول مناطق سيطرة حماس الى شوكة تزعج امريكا لا بد من ايجاد حل لها في النهاية.
وعلى طريقة الافلام الامريكية بدات امريكا تجد أنه لا بد من اللجوء الى الشرطي "الطيب" للتعامل مع الضحية، بعد استفاذ الشرطي الشرير معظم وسائلة قبل الحسم، الذي تريد له ان يكون أقل كلفة، وهنا كان الدور الذي يلعبه كاتر، ليس لمصلحة حل يضمن لأمريكا المزيد من النتائج في المنطقة وحسب، بل يفيد أطراف أخرى في الولايات المتحدة.
فعلى الارض المحتلة، فإن تصفية المقاومة في غزة هي الهدف الذي لا بد منه، سواء تم ايقاع حماس في فخ العملية التسووية، أم لا، وما عملية الايقاع تلك سوى لكسب المزيد من الوقت، وتوفير جهد ربما عبر الاستفراد بحماس التي ستكون في حينه قد فقدت جزءا مهما من حلفائها في الشارع، خصوصا فصائل المقاومة الاخرى التي لن تطمئن أبدا لهذا الحل وربما تجد فيه خطرا على وجودها، اضافة الى أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني وهم المشتتون أو ما اصطلح عليهم بال"لاجئين" الذين سيجدوا في خيار دولة ال67 إسقاطا واضحا وصريحا لحقهم في العودة وما ناضلوا في سبيله طوال ستة عقود عمر الصراع العربي الصهيوني.
لكن أهو حقا خيار كارتر القاء نفسه في دائرة الاتهام وتحمل وزر كل ما لقيه وقد يلقاه جراء هذه الزيارة؟
بالتأكيد فإن الجواب سيكون لا، خاصة ونحن نتحدث عن رئيس سابق خاض الحروب الباردة، ونجح في استغلال الفرصة حين قد للكيان الصهيوني أهم دولة عربية معادية على طبق من فضة حين جر أنور السادات الى كامب ديفيد ليوقع معاهدة التنازل بالنيابة عن مصر التي ستجر ورائها دولا اخرى بعد سنوات.
وعلى خلاف ما كان يقوم به وزير الخارجية السابق جيمس بيكر بإدعاء خلق فرص للسلام في المغرب العربي حين تبنى مطالب جبهة البوليساريو، فإن أهداف واشنطن لا تنحصر في المصالح الخارجية، وربما يكون لها اسبابها الداخلية ايضا.
فكارتر هو جزء مهم من الحزب الديمقراطي، واحد اكثر الزعماء الذين حصلوا على تأييد الجمهور الامريكي خاصة وهو أول رئيس للولايات المتحدة يأتي من ولايات الجنوب المحافظة والمعادية في فترة الحرب الاهلية للإنضمام الى الاتحاد الفدرالي، وهنا لا يمكن تجاهل القيمة المعنوية والشعبية التي سيقدمها كارتر لحزبه الديمقراطي في الانتخابات القادمة، ولعل حظوته تلك قد تنال باراك اوباما أكثر من هيلاري كلينتون، بالنظر الى الاراء المتقاربة بين الرجلين، وكون كل منهما يمثل قطاعات لم تكن ذات حظوة في المراكز القيادية، وكلاهما جنوبي الهوى ديمقراطي الانتماء محافظ الاديولوجيا داخليا، أكثر انحيازا للنهج السياسة خارجيا..
عدى ذلك فلا يمكن شطب النجاح النفسي الذي حققته حماس في هذه الحوارات، فعلاوة على رميها الكرة في الملعب المقابل، فقد أعادت الشعب مرة أخرى الى دائرة صنع القرار، حين اقترحت ان توافق على التهدئة اذا وافق الشعب عليها، وبالعودة الى التقسيمات النسبية داخل الشعب الفلسطيني فإن السبعين بالمئة من هذا الشعب المشردون خارج أرضهم لن يكونوا بطبيعة الحال مؤيدين لمثل هذا القرار، الا في حال تم التلاعب بالامر خاصة وان من سيكون مسؤلا عن استحضار التصويت –ان تم وهو امر بعيد الاحتمال لأكثر من سبب" هي السفارات الفلسطينية التي لم تكن يوما محط ثقة هذا الجمهور.
وعدى ذلك فقد حافظت الحركة على مسافة آمان تعطيها مجالا اوسع للمناورة، خاصة بإستمرار العمليات العسكرية التي كانت آخرها عملية كرم ابو سالم النوعية، وهو يطرح علامة استفهام آخرى في تزامنها مع زيارة كارتر، ليس من مغزى حماس منها، بل بصمت أي صوت إحتجاجي ذا قيمة من قبل الادارة الامريكية، وهذا ان دل على شيء فهو يؤكد مرة اخرى ان القول بأن العمليات تشكل ذريعة ما هو الا مقولة مجتزئة من سياقها خاصة وأن هذه الذريعة لا بد من ان تكون في ظرف مناسب للإحتلال وامريكا لتنفيذ هجمتهم، وهو مالم تكن الظروف مهيئة له لقطع الحوار مع حماس مثلا.
وتبق الخيارت مفتوحة نحو المزيد، وقد أثبتت جولة كاتر انها ليست الا عملية استخبارية وسياسية لإخذ الوقت والشرعية لتحركات الايام المقبلة في المنطقة العربية، والاستفراد بكل عنصر على حده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق