بقلم : فؤاد وجاني
رأيت في مايرى الرائي خيرا وسلاما، في ليلة مقدارُها ربع أو نصف الليل ممَّا تَعُدُّون ، سوداء كسواد شعر الصَّلعان ، رأيت امرأة عجوزة حدباء ، أكل الدهر أسنانها وقوصت الأيام ظهرها ، تدعى " لَلَّا عْبُوشْ " . تسكن بلاد ماقبل بحر الظلمات شمال جزيرة المساكين وشرق خليج المحرومين بين قارة العُريان ووطن البهتان في خريطة المفقودين للعالم الجغرافي الإبليسي . كانت العجوز خَبة لَبة ، وداهية فطِنة، تركب حمارا أمريكيا منَقَّطاً، مُغْبرَّ الرأس ، منتتفَ الشعر ، ذا ذنب كبير وصوت نكير ينهق ولايفقه ويسمن ولايفطن .
كانت لَلَّا عْبُوشْ جادة عبيسة نشيطة بسيطة ، لاتكل ولاتمل، تُعِدُّ الشوك شَبُوباً للنار في مطبخها، وتُورد النوق الظمآى للبئر في أرضها . وبينما كنت غارقا في سباتي بل لم أكن أعلم حياتي من مماتي ، ضربتني لَلَّا عْبُوشْ بعصاها الغليظة فوق رأسي، وقالت لي بصوتها الذي يشبه محرك سيارة جاري المعطلة : انهض يانائم بن يقظان، وشدَّ رحالك، وفُكَّ لسانك، لتحمل رسالتي هاته الى ماوراء بحر الظلمات، الى حفيد آل تعسان ، مشتر بوش النعسان، أغبى الإنس والجان. وبالغ في تبسيط رسالتي حتى يفقه قولك. وأكثر من شرح مقالتي حتى يعلم قصدك. فوالله الذي خلق الدابة وخلقه، لهو أشبه شكلا وأضعف عقلا من حماري المنقط هذا، وقل له :
"بسم الله الرحمن الرحيم وأعوذ بالله منك ومن كل شيطان رجيم، من لَلَّا عْبُوشْ الغنية بذكر الله في بلاد الفقراء والمساكين الى الضال المغضوب عليه مشتر بوش حفيد السفهاء والفاسدين.
أما قبل،
اصغ الى كلام الأدباء يامن يجهل أحرف الهجاء ، أُسْمِعكَ العجبَ العُجاب يا خليفة الكلاب. وتمعن و|ن كنت كالثلجِ تقتبس منه ناراً ، و كالحمار يحملُ أسفاراً. واعلم أن رسالتي هذه كلام مكتوب ونص مخطوط ، فلاتحسبنه عشبا أو برسيما فتبلعه، فإن بلعت فلن تهضمه ، وإن هضمت فلن تفهمه.
وصلتني أخبارك وجاءتني أنباؤك طوال فترة حكمك، والله خير الحاكمين. والحاكم في دستور العقلاء وشرع الحكماء من حكم عقله، وقضى بين الناس بالعدل ، ولم يتواطأ عليهم بالقتل، ونفعهم في معاشهم، وأفادهم في معادهم . وإني قد بحثت في تاريخ الرؤساء وسيرة العظماء، فلم أجد مثل ماسمعته عنك من الشتائم القبيحة والألقاب المهينة والذكرى الرديئة. ولم أعثر على حكم طغى فيه الصالح على الطالح مثل ماوجدت عندك، وإن كان العيب ليس منك ولكن العيب على من حكموك بينهم . وكذبت على محكوميك وتواطأت مع بطانتك، فاختلقت أزمة الشهر التاسع من تقويمكم الميلادي من سنتكم الأولى بعد الألف الثانية، وأدخلت جيشك حربا ضروسا بل كابوسا عبوسا في بلاد مابين النهرين دون علم أو شجاعة، فأهلكت النسل وأضعفت الحرث .
لقد أضحكْتَني يامشتر بوش حين علمت بنيتك في احتلال نخيل بغداد. فوالله لست بنائلها ولوصارت حلاوة تمرها مرارة . ألاتعلم يامشتر بوش أن أجدادي في العراق حددوا التقويم السنوي واعتمدوا الخدعة في الحروب حين كان أسلافك لايزالون ينطون فوق الشجر .
و فررتَ فرار القط من الأُسْدِ الى خراسان لتقضي على ذرية الإنسان، فوجدت ضربا آخر من السباع تلبس جلود النمار عسيرٌ صيدُها هالكٌ عدوها، تأبى إلاأن ترقص في زينة وخيلاء تحت وقع المعارك والقتال بأطواد الجبال .
ثم تحالفت مع عشيقتك إسرائيل في سرير المبغى العربي ضد لبنان الجِنان فحللت أهلا بريح العاصِفِ والقاصِفِ، وضد غزَّة البنَان فوطأت سهلا ملغوما بعذاب الصَّرْصَر والعَقيمِ .
لن أطيل الحديث يامشتر بوش فأنا امرأة كهلة، عاصرت من الحكام قبلك عددَ ذهابي الى الخلاء، فوجدتك أكثرهم نجاسة وتبرزا حتى سد العالَم أنفه من كره روائح فعلاتك . ولاأحسبن الله يزيد في عمري هذا بعد سنتي هذه، لهذا كتبت لك هذه الدعوة وأنت تغادر البيت الذي سوَّدته علَّك تتشرف بالحلول محل حماري المنقط ، فتحمل الكلأ والماء وتحرث الأرض وأركبك ، فقد يغفر الله لك بعض ذنوبك ويمسح عنك بعض جرائمك بعد أن تتحول حمارا قَلْباً وقالباً ومقلوباً. وَوَعْدٌ مني اليك لن أخْلِفَه ، بأن لاأضربك بالجزمة القديمة بل بعصاي التي أهش بها على غنمي . وأسرع في ردك ، إن حماري ينتظر نهيقك بفارغ الصبر."
هنا انتهت الرؤيا واختتمت لَلَّا عْبُوشْ كلامها ، وهاأنذا أشهدكم أني بلغت رسالتها فماعاد رأسي يحتمل لغتها الفصيحة ولا عصاها الغليظة. وسبحان من خلق الحمير وخلق أمثالها .
السبت، يناير 17
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق