رفضت الروائية الفلسطينية الدكتورة سحر خليفة تقاسم جائزة سيمون دبوفوار الفرنسية مع الكاتبة الإسرائيلية تسفيا جرين فيلد لعام 2009. ومنحت وزارة الثقافة الفرنسية بالتعاون مع دار كاليمار -وهي من أكبر دور النشر في أوروبا- جائزة سيمون دبوفوار بمناسبة مرور مائة عام على مولد الفيلسوفة والأديبة سيمون دبوفوار.
وبررت سحر في حديث خاص للجزيرة نت رفضها للجائزة بأن القبول يمثل نوعا من التطبيع باعتبار أن «نصف الجائزة نصف اعتراف».وقالت إنها أبلغت قرارها رئيسة لجنة الجائزة الكاتبة الفرنسية جوليا كريستيفا، متسائلة عن اختيار إسرائيلية لتقاسمها الجائزة بحجة دعم عملية السلام بين الجانبين «طالما أن الفرنسيين معجبون برواياتي كما يقولون». وأكدت الروائية الفلسطينية للكاتبة الفرنسية أن الجوائز «لا تصنع سلاما ولا تهيئ له ولو كانت كذلك بالفعل لحصلنا على السلام مذ حصل الرئيس الراحل ياسر عرفات وإسحق رابين وشيمون بيريز على جائزة نوبل».
وقالت إنها غير نادمة على رفض الجائزة رغم أنها مغرمة ومتأثرة جدا بكتابات سيمون دبوفوار وتعتبرها مثالها الأعلى ومعلمتها الأولى، مشيرة إلى أنها قرأت وهي مراهقة كتاب «الجنس للآخر» لسيمون «الذي يعتبر بالنسبة لي وللحركة النسائية العالمية الإنجيل الثوري».وأوضحت أنها كانت تتمنى أن يرتبط اسمها بالفيلسوفة الفرنسية لكن كرامتها ومكانتها الأدبية تتقدم بكثير على هذه الأمنية، مشيرة إلى أن رواياتها مترجمة لثلاث عشرة لغة عالمية.
وكانت الروائية الفلسطينية سحر خليفة قد فازت مؤخرا بجائزة القراء في فرنسا عن روايتها «ربيع حار» بحصولها على 70% من أصوات القراء الفرنسيين.وأضافت «إذا كان هناك إبداع فلسطيني متميز ومعترف به فيجب أن يقف على رجليه دون عكاز إسرائيلي، أما إذا كان النفاق الأوروبي يصر على التفافاته ورشاواه فنحن في غنى عن هذه الجوائز».
وأشارت إلى أن المرشحة الإسرائيلية - وهي عضو في الكنيست من المتدينين في حركة ميرتس - ليست كاتبة سياسية ولم تكتب عن المرأة إلا مقالا واحدا تناول مشكلة النساء المتدينات حين يقفن بانتظار حافلة في صفوف مختلفة عن الرجال.
وترى الدكتورة سحر أن مقارنتها بالإسرائيلية انتقاص من هويتها الفلسطينية وقيمتها الأدبية.
السبت، فبراير 14
حماس في القاهرة بين المطرقة والسندان
مع إعلان الإسرائيليين وقف إطلاق النار من طرف واحد، عادت أسئلة الحوار والمصالحة الفلسطينية لتطرح من جديد في الأروقة العربية (بل حتى الدولية كذلك!!)، ومعها بالطبع ما يتعلق بتبعات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ولا شك أن خاتمة الحرب قد أصابت كثيرين بالإحباط، أعني من انتظروا رايات بيضاء يرفعها إسماعيل هنية ومحمود الزهار وسعيد صيام (رايته البيضاء كانت كفنا مزينا بالأحمر)، وهو ما دفع بعضهم إلى استخدام لهجة أخرى في سياق دعوة حماس إلى المصالحة، وكذلك الحال في سياق ترتيبات ما بعد الحرب.
حتى ما قبل وقف إطلاق النار لم يكن المعنيون بملف قطاع غزة في القاهرة قد يئسوا من توفير نافذة أخرى لنهاية الحرب لا تسمح لحماس بالقول إنها انتصرت.
لكن صمود قيادة الحركة ورفضها التراجع ما لبث أن اضطر الطرف الإسرائيلي إلى إعلان وقف إطلاق النار من طرف واحد، وبالطبع لأن الرئيس الأميركي الجديد لم يكن يريد لاحتفال تنصيبه أن يزين بصور الأطفال القتلى في قطاع غزة.
والأهم لأن العملية العسكرية استنفدت أغراضها، ولم يعد أمامها سوى التوغل في المناطق السكنية واحتمال الكثير من الخسائر، الأمر سيدمغها بالفشل في عرف مجتمع لم يعد بوسعه احتمال الخسائر، ولا تسأل بعد ذلك عن سؤال اليوم التالي للاجتياح الشامل إذا نجح، أو سيناريو الاضطرار إلى وقف العدوان في حال نزول الملايين إلى الشوارع إثر صمود المقاومة وتصاعد أعداد القتلى.
أوراق القوة بيد الأطراف المتصارعة
نشير إلى ذلك كي نقول إن الخاتمة التي انتهت إليها الحرب بدت بالغة الأهمية في سياق تحديد الأولويات التالية، وفي سياق أوراق القوة التي بات يمتلكها كلّ من طرفي النزاع الفلسطيني، وكذلك الطرف الإسرائيلي.
ففي حين خرجت حماس ومعها برنامج المقاومة بيد عليا من المعركة، خرج الطرف الفلسطيني الآخر مجللا بالعار، هو الذي جعل من الضفة أقل من أية عاصمة عربية أخرى في سياق التفاعل مع المعركة، ولم يتورع عن قمع المتظاهرين والاستمرار في اعتقال المجاهدين.
والنتيجة أنه لا حماس بعد معركة قطاع غزة هي حماس قبلها، ولا السلطة وقيادتها وحركة فتح قبل المعركة هي تلك التي كانت قبلها، ما يعني أن أوراق كل طرف باتت مختلفة، ومن الطبيعي أن يتبدى ذلك على طاولة الحوار بين الطرفين.
على أن أوراقا أخرى كثيرة، بعضها دخل حديثا وبعضها الآخر موجود من قبل، لا تزال تصب في صالح السلطة وتعمل حثيثا ضد حركة حماس، ما يعني أن ميزان القوى الشعبي هو الذي تغير بشكل لافت، بينما بقي ميزان القوى الآخر على حاله، وإن ظهر بعض التحسن في سلوك بعض الأنظمة ذات العلاقة الجيدة أصلا مع حماس.
في هذا السياق تبدو المواقف الأميركية على حالها من الانحياز "للدولة العبرية"، وبالتالي للطرف الفلسطيني الذي تشجعه في الصراع، الأمر الذي ينسحب على المواقف الأوروبية، وإن بدا أن تلك المواقف جميعا قد دخلت منحنيات أكبر من السوء، وبالطبع تبعا للقناعة بضرورة الدفع في اتجاه مواقف تخدم حزب كاديما في الانتخابات في مواجهة الليكود بزعامة نتنياهو، لا سيما بعد أن تبين أن نتيجة الحرب لم تغير كثيرا في استطلاعات الرأي، إذ بقي الليكود متقدما، وإن تحسن وضع حزب العمل بعض الشيء.
إلى جانب المواقف الأميركية الأوروبية، يأتي الموقف المصري الذي لم يتغير كثيرا في انحيازه ضد حركة حماس للاعتبارات المعروفة (الموقف منها كامتداد لجماعة الإخوان المطاردة في الداخل، إلى جانب الاستجابة لضغوط الخارج لاعتبارات الوراثة والخلافة).
بل لعله صار أكثر حرصا على التخلص من كابوس "إمارة غزة" بعد الصداع الذي تسببت به للنظام الذي أصابته لعنات المعركة الأخيرة، ربما أكثر من الصهاينة أنفسهم.
وعندما تنسجم بعض المواقف العربية المهمة مع موقف القاهرة كما تجلى ذلك في قمة شرم الشيخ الثلاثية واجتماع أبو ظبي، فسيصب ذلك كله في صالح السلطة، فكيف عندما تكون دائرة المخابرات المصرية هي العنوان شبه الوحيد للحوار والمصالحة، الأمر الذي لن يتغير إلا في سياق تدخلات أخرى لا بد أن ترضى عنها السياسة المصرية كما هو حال التدخل اليمني الذي سبق أن فعل ذلك في ذات السياق، أعني خدمة الأجندة المصرية، فكانت النتيجة المعروفة التي انتهى إليها الحوار، حيث فسر كل طرف "إعلان صنعاء" بطريقته فانتهى إلى لا شيء.
والخلاصة أنها دكتاتورية الجغرافيا التي لا تدع لحماس مجالا غير التعاطي مع القاهرة في سياق مناقشة أي ملف من ملفاتها، من دون أن يعني ذلك ضرورة الاستجابة لكل ما يعرض عليها.
ملفات حوار ما بعد المعركة
هناك العديد من الملفات المطروحة على أجندة الحوار والمصالحة هذه الأيام، إضافة إلى الملفات المتعلقة بمفاوضات حماس مع الجانب الإسرائيلي بصرف النظر عن الطرف الذي سيدير الحوار، وهي ملفات يجري ربطها والتعامل معها بحسب الأجندة التي يتبناها هذا الطرف أو ذاك.
خلاصة تلك الملفات هي التهدئة، وحكومة الوحدة أو حكومة التكنوقراط، وإعادة الإعمار، وفتح المعابر ورفع الحصار، وتهريب السلاح، والجندي شاليط، والانتخابات التشريعية والرئاسية المتزامنة، وربما دخلت على الخط قصة منظمة التحرير والمرجعية الجديدة التي تحدث عنها خالد مشعل.
من المفيد القول ابتداء إن أهم ملفات الابتزاز الجديدة لحركة حماس ما يعرف بملف إعادة الإعمار (بخاصة مواد الإعمار من إسمنت وحديد وغير ذلك)، حيث تصر جهات عديدة على عدم منحها لحكومة الحركة "غير الشرعية"، بينما يرى آخرون منحها لحكومة رام الله، فيما ظهرت مقترحات أخرى كذلك الذي تحدث عنه عمرو موسى ممثلا في استبعاد الطرفين الفلسطينيين وإيجاد آلية أخرى.
فيما يتعلق بالتهدئة، التي هي العنصر الأهم، من الواضح أن الإسرائيليين قد اقتنعوا باستحالة فرض تهدئة دائمة، الأمر الذي كان واحدا من أهداف العدوان على قطاع غزة، ولذلك طرحوا تهدئة لمدة عام ونصف، في حين تطلب حماس وقوى المقاومة تهدئة لعام واحد، لكن ربط التهدئة بالملفات الأخرى ما زال يعيق الصفقة.
وإذا اعتبرنا أن جميع ملفات الحوار تهم الإسرائيليين، تبعا لاهتمامهم بمصير الوضع الفلسطيني برمته، فإن ما يعنيهم، إضافة إلى التهدئة، هو مصير الجندي الأسير شاليط، الذي يسعى أولمرت للإفراج عنه على أمل أن يضيف إلى سجله نقطة جيدة أخرى تمسح ما تراكم فيه من سواد، فضلا عن مساعدة حزب كاديما في الانتخابات في العاشر من هذا الشهر، في ذات الوقت الذي قد يقنع المجتمع الإسرائيلي بأن نتائج الحرب كانت جيدة.
في هذا السياق يضغط الإسرائيليون من أجل تهبيط سقف مطالب حماس من الصفقة، صفقة الإفراج عن شاليط، وبالطبع حتى لا يقال إنهم خضعوا لمطالب الحركة، لكن الأخيرة تصر على مطالبها، الأمر الذي قد يؤجل الصفقة برمتها أو يفضي إلى صيغة حل وسط يفرج من خلالها الإسرائيليون عن عدد من الأسرى "الخطرين" أو المصنفين "دم على الأيدي"، ولكن بشرط نقلهم إلى قطاع غزة كما ذهبت بعض الصحف الإسرائيلية، وهو عرض قد توافق عليه حماس، مع العلم أن أولمرت وقادة جيشه يعتقدون أن تهديد قادة حماس بعدم رؤية النور قبل الإفراج عن شاليط قد يساهم في تمرير الصفقة، الأمر الذي لن يحدث لأن الخضوع للابتزاز مرة سيشجع الإسرائيليين على مزيد من الابتزاز.
الأمر الآخر الذي يعني الطرف الإسرائيلي بشكل كبير هو موضوع تهريب السلاح، وفي هذا السياق يدرك القوم أن حماس لن تتعهد بوقف التهريب، وأن التفاهم بشأن هذا الملف سيتم مع الجانب المصري، فضلا عن التعاون الدولي الحثيث (بدأت فرنسا المسيرة وقد يتبعها آخرون).
هناك بالتأكيد ما يتعلق برفع الحصار وفتح المعابر، وهو ما تربطه حماس بالتهدئة، بينما يصر الطرفان الإسرائيلي والمصري (كل لاعتباراته بالطبع) على أن يتم ذلك بناء على اتفاق 2005، الأمر الذي لا ترفضه حماس بالكامل، لكنها تريد صيغة جديدة لهذا الملف لا تترك المعابر رهنا بالمزاج الإسرائيلي كما كانت على الدوام، في وقت تصر فيه على حل معضلة معبر رفح الذي يشكل الرئة الوحيدة التي يتنفس منها أهل القطاع.
الطرف المصري بدوره يضع نصب عينيه هدفا بالغ الأهمية عنوانه التخلص من الوضع الشاذ الذي يعيشه القطاع وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الانتخابات، وهنا لا بديل عن مسار المصالحة وإنهاء الانقسام، الأمر الذي ينبغي أن يبدأ بحكومة وحدة وطنية مهمتها إعادة الإعمار وترتيب الأجواء لانتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة، ما يعني تجاوز قضية أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد انتهت ولايته.
أما ربط عباس الحوار مع حماس باعترافها بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، فلا يعدو تحسينا لوضعه على طاولة الحوار، إذ سبق أن تحدث عن هذا الشرط ثم تجاهله بعد ذلك.
في السياق ذاته يجري وضع قضية إعادة الإعمار ضمن ملف حكومة الوحدة، وبالطبع من أجل الضغط على حركة حماس، إضافة إلى تلويح الطرف الإسرائيلي بأن عملية "الرصاص المصهور" يمكن أن تتكرر مرة أخرى إذا لم تتحقق الأهداف المرجوة منها، الأمر الذي قد يتم قبل أو بعد الانتخابات، بحسب تطورات الوضع على الأرض ولعبة المزايدات الإسرائيلية.
حماس بدورها تصر على ترجمة انتصارها العسكري في السياق السياسي، فهي من جهة تريد فك الحصار وإعادة المعابر، في الوقت الذي لا تريد فيه العودة إلى قصة المصالحة من ذات المربع القديم، حتى لو تم التوافق على حكومة وحدة وطنية، الأمر الذي لن يتم في حال إصرار المصريين وسواهم على تلبيتها لشروط الرباعية الدولية، لا سيما أنها شروط لو وافقت عليها حماس لشطبت نفسها سياسيا، ولأكدت أنها هزمت في المعركة وقدمت بعدها وثيقة استسلام، ونتذكر أن الشروط المذكورة هي ثلاثة جميعها سيئة: الاعتراف بالمعاهدات والالتزامات التي وقعتها السلطة والمنظمة، والاعتراف بدولة الاحتلال، ونبذ العنف.
من جانب آخر تسعى حماس إلى تجاوز الوضع الراهن، تساعدها في ذلك حركة الجهاد وفصائل أخرى في دمشق، وذلك عبر الدعوة إلى مرجعية لقوى المقاومة، مع استمرار الدعوة إلى إعادة تشكيل منظمة التحرير على أسس ديمقراطية.
في ضوء هذه التعقيدات جميعا، يبدو من الصعب الجزم بما إذا كان الحوار سيصل إلى نتيجة قبل الانتخابات أم لا، فضلا عن الجزم بتفاصيل تلك النتيجة، والسبب أن مطالب أطرافها تنطوي على قدر كبير من التناقض، أكان بين حماس والإسرائيليين، أم بين حماس والسلطة المدعومة من الطرف المصري.
هي معركة سياسية بالغة الأهمية لن تحقق فيها حماس ما تريد من دون استمرار دعم الشارع العربي وقواه الحية، ومن دون إسناد أكبر من محور الممانعة.
لكن الأهم من ذلك هو أن إقلاعا حقيقيا للوضع الفلسطيني لن يتم من دون حل معضلة حركة فتح المخطوفة عمليا من قبل فريق "رفض العسكرة" (أي المقاومة)، ومن دون التوافق على مرجعية للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج تتجاوز تلك السلطة المصممة لخدمة الاحتلال، سواءً كانت تلك المرجعية هي منظمة التحرير بعد إعادة تشكيلها أم مجرد مرجعية لقوى المقاومة يعنيها الاعتراف الشعبي وليس العربي والدولي المعروف الثمن.
ولا شك أن خاتمة الحرب قد أصابت كثيرين بالإحباط، أعني من انتظروا رايات بيضاء يرفعها إسماعيل هنية ومحمود الزهار وسعيد صيام (رايته البيضاء كانت كفنا مزينا بالأحمر)، وهو ما دفع بعضهم إلى استخدام لهجة أخرى في سياق دعوة حماس إلى المصالحة، وكذلك الحال في سياق ترتيبات ما بعد الحرب.
حتى ما قبل وقف إطلاق النار لم يكن المعنيون بملف قطاع غزة في القاهرة قد يئسوا من توفير نافذة أخرى لنهاية الحرب لا تسمح لحماس بالقول إنها انتصرت.
لكن صمود قيادة الحركة ورفضها التراجع ما لبث أن اضطر الطرف الإسرائيلي إلى إعلان وقف إطلاق النار من طرف واحد، وبالطبع لأن الرئيس الأميركي الجديد لم يكن يريد لاحتفال تنصيبه أن يزين بصور الأطفال القتلى في قطاع غزة.
والأهم لأن العملية العسكرية استنفدت أغراضها، ولم يعد أمامها سوى التوغل في المناطق السكنية واحتمال الكثير من الخسائر، الأمر سيدمغها بالفشل في عرف مجتمع لم يعد بوسعه احتمال الخسائر، ولا تسأل بعد ذلك عن سؤال اليوم التالي للاجتياح الشامل إذا نجح، أو سيناريو الاضطرار إلى وقف العدوان في حال نزول الملايين إلى الشوارع إثر صمود المقاومة وتصاعد أعداد القتلى.
أوراق القوة بيد الأطراف المتصارعة
نشير إلى ذلك كي نقول إن الخاتمة التي انتهت إليها الحرب بدت بالغة الأهمية في سياق تحديد الأولويات التالية، وفي سياق أوراق القوة التي بات يمتلكها كلّ من طرفي النزاع الفلسطيني، وكذلك الطرف الإسرائيلي.
ففي حين خرجت حماس ومعها برنامج المقاومة بيد عليا من المعركة، خرج الطرف الفلسطيني الآخر مجللا بالعار، هو الذي جعل من الضفة أقل من أية عاصمة عربية أخرى في سياق التفاعل مع المعركة، ولم يتورع عن قمع المتظاهرين والاستمرار في اعتقال المجاهدين.
والنتيجة أنه لا حماس بعد معركة قطاع غزة هي حماس قبلها، ولا السلطة وقيادتها وحركة فتح قبل المعركة هي تلك التي كانت قبلها، ما يعني أن أوراق كل طرف باتت مختلفة، ومن الطبيعي أن يتبدى ذلك على طاولة الحوار بين الطرفين.
على أن أوراقا أخرى كثيرة، بعضها دخل حديثا وبعضها الآخر موجود من قبل، لا تزال تصب في صالح السلطة وتعمل حثيثا ضد حركة حماس، ما يعني أن ميزان القوى الشعبي هو الذي تغير بشكل لافت، بينما بقي ميزان القوى الآخر على حاله، وإن ظهر بعض التحسن في سلوك بعض الأنظمة ذات العلاقة الجيدة أصلا مع حماس.
في هذا السياق تبدو المواقف الأميركية على حالها من الانحياز "للدولة العبرية"، وبالتالي للطرف الفلسطيني الذي تشجعه في الصراع، الأمر الذي ينسحب على المواقف الأوروبية، وإن بدا أن تلك المواقف جميعا قد دخلت منحنيات أكبر من السوء، وبالطبع تبعا للقناعة بضرورة الدفع في اتجاه مواقف تخدم حزب كاديما في الانتخابات في مواجهة الليكود بزعامة نتنياهو، لا سيما بعد أن تبين أن نتيجة الحرب لم تغير كثيرا في استطلاعات الرأي، إذ بقي الليكود متقدما، وإن تحسن وضع حزب العمل بعض الشيء.
إلى جانب المواقف الأميركية الأوروبية، يأتي الموقف المصري الذي لم يتغير كثيرا في انحيازه ضد حركة حماس للاعتبارات المعروفة (الموقف منها كامتداد لجماعة الإخوان المطاردة في الداخل، إلى جانب الاستجابة لضغوط الخارج لاعتبارات الوراثة والخلافة).
بل لعله صار أكثر حرصا على التخلص من كابوس "إمارة غزة" بعد الصداع الذي تسببت به للنظام الذي أصابته لعنات المعركة الأخيرة، ربما أكثر من الصهاينة أنفسهم.
وعندما تنسجم بعض المواقف العربية المهمة مع موقف القاهرة كما تجلى ذلك في قمة شرم الشيخ الثلاثية واجتماع أبو ظبي، فسيصب ذلك كله في صالح السلطة، فكيف عندما تكون دائرة المخابرات المصرية هي العنوان شبه الوحيد للحوار والمصالحة، الأمر الذي لن يتغير إلا في سياق تدخلات أخرى لا بد أن ترضى عنها السياسة المصرية كما هو حال التدخل اليمني الذي سبق أن فعل ذلك في ذات السياق، أعني خدمة الأجندة المصرية، فكانت النتيجة المعروفة التي انتهى إليها الحوار، حيث فسر كل طرف "إعلان صنعاء" بطريقته فانتهى إلى لا شيء.
والخلاصة أنها دكتاتورية الجغرافيا التي لا تدع لحماس مجالا غير التعاطي مع القاهرة في سياق مناقشة أي ملف من ملفاتها، من دون أن يعني ذلك ضرورة الاستجابة لكل ما يعرض عليها.
ملفات حوار ما بعد المعركة
هناك العديد من الملفات المطروحة على أجندة الحوار والمصالحة هذه الأيام، إضافة إلى الملفات المتعلقة بمفاوضات حماس مع الجانب الإسرائيلي بصرف النظر عن الطرف الذي سيدير الحوار، وهي ملفات يجري ربطها والتعامل معها بحسب الأجندة التي يتبناها هذا الطرف أو ذاك.
خلاصة تلك الملفات هي التهدئة، وحكومة الوحدة أو حكومة التكنوقراط، وإعادة الإعمار، وفتح المعابر ورفع الحصار، وتهريب السلاح، والجندي شاليط، والانتخابات التشريعية والرئاسية المتزامنة، وربما دخلت على الخط قصة منظمة التحرير والمرجعية الجديدة التي تحدث عنها خالد مشعل.
من المفيد القول ابتداء إن أهم ملفات الابتزاز الجديدة لحركة حماس ما يعرف بملف إعادة الإعمار (بخاصة مواد الإعمار من إسمنت وحديد وغير ذلك)، حيث تصر جهات عديدة على عدم منحها لحكومة الحركة "غير الشرعية"، بينما يرى آخرون منحها لحكومة رام الله، فيما ظهرت مقترحات أخرى كذلك الذي تحدث عنه عمرو موسى ممثلا في استبعاد الطرفين الفلسطينيين وإيجاد آلية أخرى.
فيما يتعلق بالتهدئة، التي هي العنصر الأهم، من الواضح أن الإسرائيليين قد اقتنعوا باستحالة فرض تهدئة دائمة، الأمر الذي كان واحدا من أهداف العدوان على قطاع غزة، ولذلك طرحوا تهدئة لمدة عام ونصف، في حين تطلب حماس وقوى المقاومة تهدئة لعام واحد، لكن ربط التهدئة بالملفات الأخرى ما زال يعيق الصفقة.
وإذا اعتبرنا أن جميع ملفات الحوار تهم الإسرائيليين، تبعا لاهتمامهم بمصير الوضع الفلسطيني برمته، فإن ما يعنيهم، إضافة إلى التهدئة، هو مصير الجندي الأسير شاليط، الذي يسعى أولمرت للإفراج عنه على أمل أن يضيف إلى سجله نقطة جيدة أخرى تمسح ما تراكم فيه من سواد، فضلا عن مساعدة حزب كاديما في الانتخابات في العاشر من هذا الشهر، في ذات الوقت الذي قد يقنع المجتمع الإسرائيلي بأن نتائج الحرب كانت جيدة.
في هذا السياق يضغط الإسرائيليون من أجل تهبيط سقف مطالب حماس من الصفقة، صفقة الإفراج عن شاليط، وبالطبع حتى لا يقال إنهم خضعوا لمطالب الحركة، لكن الأخيرة تصر على مطالبها، الأمر الذي قد يؤجل الصفقة برمتها أو يفضي إلى صيغة حل وسط يفرج من خلالها الإسرائيليون عن عدد من الأسرى "الخطرين" أو المصنفين "دم على الأيدي"، ولكن بشرط نقلهم إلى قطاع غزة كما ذهبت بعض الصحف الإسرائيلية، وهو عرض قد توافق عليه حماس، مع العلم أن أولمرت وقادة جيشه يعتقدون أن تهديد قادة حماس بعدم رؤية النور قبل الإفراج عن شاليط قد يساهم في تمرير الصفقة، الأمر الذي لن يحدث لأن الخضوع للابتزاز مرة سيشجع الإسرائيليين على مزيد من الابتزاز.
الأمر الآخر الذي يعني الطرف الإسرائيلي بشكل كبير هو موضوع تهريب السلاح، وفي هذا السياق يدرك القوم أن حماس لن تتعهد بوقف التهريب، وأن التفاهم بشأن هذا الملف سيتم مع الجانب المصري، فضلا عن التعاون الدولي الحثيث (بدأت فرنسا المسيرة وقد يتبعها آخرون).
هناك بالتأكيد ما يتعلق برفع الحصار وفتح المعابر، وهو ما تربطه حماس بالتهدئة، بينما يصر الطرفان الإسرائيلي والمصري (كل لاعتباراته بالطبع) على أن يتم ذلك بناء على اتفاق 2005، الأمر الذي لا ترفضه حماس بالكامل، لكنها تريد صيغة جديدة لهذا الملف لا تترك المعابر رهنا بالمزاج الإسرائيلي كما كانت على الدوام، في وقت تصر فيه على حل معضلة معبر رفح الذي يشكل الرئة الوحيدة التي يتنفس منها أهل القطاع.
الطرف المصري بدوره يضع نصب عينيه هدفا بالغ الأهمية عنوانه التخلص من الوضع الشاذ الذي يعيشه القطاع وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الانتخابات، وهنا لا بديل عن مسار المصالحة وإنهاء الانقسام، الأمر الذي ينبغي أن يبدأ بحكومة وحدة وطنية مهمتها إعادة الإعمار وترتيب الأجواء لانتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة، ما يعني تجاوز قضية أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد انتهت ولايته.
أما ربط عباس الحوار مع حماس باعترافها بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، فلا يعدو تحسينا لوضعه على طاولة الحوار، إذ سبق أن تحدث عن هذا الشرط ثم تجاهله بعد ذلك.
في السياق ذاته يجري وضع قضية إعادة الإعمار ضمن ملف حكومة الوحدة، وبالطبع من أجل الضغط على حركة حماس، إضافة إلى تلويح الطرف الإسرائيلي بأن عملية "الرصاص المصهور" يمكن أن تتكرر مرة أخرى إذا لم تتحقق الأهداف المرجوة منها، الأمر الذي قد يتم قبل أو بعد الانتخابات، بحسب تطورات الوضع على الأرض ولعبة المزايدات الإسرائيلية.
حماس بدورها تصر على ترجمة انتصارها العسكري في السياق السياسي، فهي من جهة تريد فك الحصار وإعادة المعابر، في الوقت الذي لا تريد فيه العودة إلى قصة المصالحة من ذات المربع القديم، حتى لو تم التوافق على حكومة وحدة وطنية، الأمر الذي لن يتم في حال إصرار المصريين وسواهم على تلبيتها لشروط الرباعية الدولية، لا سيما أنها شروط لو وافقت عليها حماس لشطبت نفسها سياسيا، ولأكدت أنها هزمت في المعركة وقدمت بعدها وثيقة استسلام، ونتذكر أن الشروط المذكورة هي ثلاثة جميعها سيئة: الاعتراف بالمعاهدات والالتزامات التي وقعتها السلطة والمنظمة، والاعتراف بدولة الاحتلال، ونبذ العنف.
من جانب آخر تسعى حماس إلى تجاوز الوضع الراهن، تساعدها في ذلك حركة الجهاد وفصائل أخرى في دمشق، وذلك عبر الدعوة إلى مرجعية لقوى المقاومة، مع استمرار الدعوة إلى إعادة تشكيل منظمة التحرير على أسس ديمقراطية.
في ضوء هذه التعقيدات جميعا، يبدو من الصعب الجزم بما إذا كان الحوار سيصل إلى نتيجة قبل الانتخابات أم لا، فضلا عن الجزم بتفاصيل تلك النتيجة، والسبب أن مطالب أطرافها تنطوي على قدر كبير من التناقض، أكان بين حماس والإسرائيليين، أم بين حماس والسلطة المدعومة من الطرف المصري.
هي معركة سياسية بالغة الأهمية لن تحقق فيها حماس ما تريد من دون استمرار دعم الشارع العربي وقواه الحية، ومن دون إسناد أكبر من محور الممانعة.
لكن الأهم من ذلك هو أن إقلاعا حقيقيا للوضع الفلسطيني لن يتم من دون حل معضلة حركة فتح المخطوفة عمليا من قبل فريق "رفض العسكرة" (أي المقاومة)، ومن دون التوافق على مرجعية للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج تتجاوز تلك السلطة المصممة لخدمة الاحتلال، سواءً كانت تلك المرجعية هي منظمة التحرير بعد إعادة تشكيلها أم مجرد مرجعية لقوى المقاومة يعنيها الاعتراف الشعبي وليس العربي والدولي المعروف الثمن.
جمهورية دايتون الفلسطينية
بقلم عبد الباري عطوان
قليلون خارج دوائر السلطة في رام الله، واجهزتها الأمنية يعرفون 'انجازات' الجنرال الامريكي كيث دايتون، المكلف رسمياً من قبل ادارة بلاده بتأسيس قوات أمن فلسطينية على أسس جديدة تقوم ببسط سلطة الدولة (اين هي) على حدودها (ما هي هذه الحدود) في المستقبل القريب. ولكن مقال الكاتب الامريكي توماس فريدمان يسلط لنا الاضواء على ذلك في مقاله الاخير الذي نشره في صحيفة 'نيويورك تايمز' الامريكية في عددها الصادر يوم أمس.
فريدمان يقول ان الجنرال دايتون اصطحبه الى مدينة جنين ليطلع على هذه الانجازات بنفسه، وقد فوجئ بما رأى، حيث اصطف اعضاء الكتيبة الثانية امام 'سيدهم' (الوصف من عندي) الامريكي حاملين بنادق كلاشينكوف، مؤدين التحية العسكرية، فبادر برد التحية، والقى عليهم خطاباً أشاد فيه بمهمتهم السامية 'وهي رعاية مواطنيهم في هذا الوقت الصعب، فهكذا تتصرف القوات الامنية المحترفة'.
واستعراض الجنرال الامريكي لهذه القوات، ومخاطبتهم بهذه الطريقة يوحيان بأنها تأتمر بأوامره، وتؤدي المهمة التي يريدها هو وحكومته، وليست اي حكومة او سلطة اخرى، فهو الذي يقرر ويموّل ويحدد الواجبات.
ويبدو ان 'قوات دايتون' هذه بدأت في أداء مهامها على اكمل وجه، فقد تصدت للمتظاهرين بفاعلية، قمعاً واعتقالاً، اثناء انفجار مسيرات الاحتجاج التضامنية ضد المجازر الاسرائيلية في قطاع غزة، ووقفت متفرجة عندما هاجم المستوطنون اهالي مدينة الخليل قبل شهر وعاثوا فيها فساداً وتدميراً واعتداء، حتى ان احد قادتها رد على طلبات مواطنيه بالتدخل لحمايتهم من وحشية هؤلاء بان ليست لديه اوامر بالتصدي للاسرائيليين، وانما للفلسطينيين.
مدينة جنين كانت من اشرس المدن الفلسطينية مقاومة، واعتبرت قاعدة صلبة لانجاب الاستشهاديين، والرجال الرجال، وتكفي الاشارة الى ان مخيمها الصغير (كيلومتر مربع) صمد عشرة ايام في وجه الاجتياح الاسرائيلي، وأوقع حوالى 26 قتيلاً في صفوف القوات المعتدية، وستة وثلاثين جريحاً، اي اربعة اضعاف خسائر الجيش الاسرائيلي في عدوانه الاخير على قطاع غزة، وهذا ما يفسر تركيز الجنرال دايتون على هذه المدينة، وجعلها 'الجوهرة' في تاج 'انجازاته' الامنية، اي كسر شوكة المقاومة فيها، وتعميم التجربة فيها على مختلف المدن الفلسطينية الاخرى في الضفة.
فالهدف من انشاء هذه القوات و'تسمينها' وانفاق الملايين على تدريبها، ليس الاعداد لبناء الدولة الفلسطينية، وانما لمنعه، وتكريس الاحتلال الراهن، ففي مختلف انحاء العالم يتم بناء الدولة اولاً، ثم مؤسساتها الامنية والسياسية، الا في فلسطين، فالمثلث 'مقلوب' وكذلك الأولويات، وهذا ما يفسر توسع الاستيطان، واستمرار نهب الأرض، وحفر انفاق تحت المسجد الاقصى (فأنفاق القدس حميدة لأنها اسرائيلية حتى لو قوّضت اساسات الاقصى.. اما أنفاق رفح فشيطانية لانها تستخدم في تهريب الطعام والدواء للمحاصرين).
قوات دايتون الامنية التي يبلغ عددها حوالى 1600 حتى الآن، وجرى تدريبها في الاردن، وتستعد لانضمام 500 يخضعون الآن لدورات تدريبية مماثلة، تتمحور مهمتها حول كيفية حماية المستوطنات، وقمع اي مقاومة فلسطينية بالقوة، والعمل جنباً الى جنب مع نظيرتها الاسرائيلية في هذا الميدان، اي قتل الشعور الوطني كلياً.
ومن الواضح ان هذه القوات تتناغم مع المشاريع الامريكية المستقبلية للضفة، وعدم تكرار تجربة القطاع، أي الحيلولة دون تحولها إلى قاعدة للمقاومة. ولخص توني بلير مبعوث اللجنة الرباعية مستقبل الضفة الغربية هذا بالقول بضرورة التركيز على البنية التحتية الاقتصادية، وتأهيلها للارتقاء بالمستوى المعيشي للسكان، كخطوة أساسية قبل الوصول إلى بناء الدولة. وكرر الشيء نفسه غوردون براون رئيس الوزراء البريطاني أثناء زيارته الأخيرة إلى رام الله.
بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود والمرشح الأبرز للفوز في الانتخابات الاسرائيلية العامة التي تبدأ غداً، التقط هذا الخيط، وبدأ يركز في حملته الانتخابية على 'السلام الاقتصادي' مع الفلسطينيين والتعهد بعدم اعادة الضفة والجولان إلى أصحابهما العرب.
العقيد راضي أبو عصيدة أحد قادة أجهزة الجنرال دايتون الأمنية قال بافتخار 'اننا نملك الآن المهنية في قواتنا، مثلما نملك تدريباً جيداً، وأصبحنا نقول للناس بامكانكم أن تتظاهروا تضامناً مع غزة، ولكن عليكم أن تفعلوا ذلك بطريقة عصرية'.
وما يقصده العقيد راضي بالطريقة العصرية هذه، ان يكونوا مثل شعب آلاسكا أو ايسلاند، أي ايقاد الشموع والصلاة لضحايا الوحشية الاسرائيلية، اما غير ذلك فسيقابل بالهراوات وربما باطلاق النار والتعذيب في المعتقلات.
كيف يتظاهر ابناء الضفة بطريقة حضارية والجنود الاسرائيليون يهينونهم يومياً أمام الحواجز، ويصادرون أراضيهم ويقوضون أسس مسجد أقصاهم، ويطلقون العنان للمستوطنين للاعتداء عليهم وتدمير مزروعاتهم وقلع أشجار بساتينهم؟
في الماضي كانو يتحدثون عن حل الدولتين، الآن عن 'السلام الاقتصادي'، أي تحويل الشعب الفلسطيني إلى شعب مرتش بلقمة العيش، ومرتب شهري من الدول المانحة، مقابل أن ينسى قضيته الوطنية كلياً، ومن يشق عصا الطاعة فقوات الجنرال دايتون 'المهنية' و'المدربة جيداً' كفيلة بالتعامل معه بالطريقة المناسبة.
جيدي غرينستين رئيس معهد 'ريوت' الاسرائيلي، الذي هو بمثابة 'مخزن عقول' للحكومة يقدم لها المشورات، وصف قوات دايتون هذه بأنها 'بقعة مضيئة في أفق ممزق، يمكن البناء عليها لأن المسألة ليست الأرض فقط وانما كيف نملأها'.
من المؤكد انه يقترح حلين لهذه المعضلة، حسب وجهة نظرنا، هما: ان يتم ملء هذه الأرض بالمزيد من المستوطنين، أو استيراد شعب آخر قادر على التعايش مع ممارساتهم من بقعة أخرى من العالم. فالشعب الفلسطيني لا يمكن أن يقولب حسب مواصفاتهم.
مستقبل مظلم ينتظر الشعب الفلسطيني بكل تأكيد في ظل الجنرال دايتون ومشاريعه والمؤمنين به، وما هو أكثر اظلاماً في رأينا وجود قيادة فلسطينية تفسح له المجال، وتوفر له 'الغطاء الشرعي' وتؤدي له التحية العسكرية اعجاباً وتقديراً، وتلهج بالثناء عليه وعلى 'انجازاته' العظيمة للشعب الفلسطيني.
قليلون خارج دوائر السلطة في رام الله، واجهزتها الأمنية يعرفون 'انجازات' الجنرال الامريكي كيث دايتون، المكلف رسمياً من قبل ادارة بلاده بتأسيس قوات أمن فلسطينية على أسس جديدة تقوم ببسط سلطة الدولة (اين هي) على حدودها (ما هي هذه الحدود) في المستقبل القريب. ولكن مقال الكاتب الامريكي توماس فريدمان يسلط لنا الاضواء على ذلك في مقاله الاخير الذي نشره في صحيفة 'نيويورك تايمز' الامريكية في عددها الصادر يوم أمس.
فريدمان يقول ان الجنرال دايتون اصطحبه الى مدينة جنين ليطلع على هذه الانجازات بنفسه، وقد فوجئ بما رأى، حيث اصطف اعضاء الكتيبة الثانية امام 'سيدهم' (الوصف من عندي) الامريكي حاملين بنادق كلاشينكوف، مؤدين التحية العسكرية، فبادر برد التحية، والقى عليهم خطاباً أشاد فيه بمهمتهم السامية 'وهي رعاية مواطنيهم في هذا الوقت الصعب، فهكذا تتصرف القوات الامنية المحترفة'.
واستعراض الجنرال الامريكي لهذه القوات، ومخاطبتهم بهذه الطريقة يوحيان بأنها تأتمر بأوامره، وتؤدي المهمة التي يريدها هو وحكومته، وليست اي حكومة او سلطة اخرى، فهو الذي يقرر ويموّل ويحدد الواجبات.
ويبدو ان 'قوات دايتون' هذه بدأت في أداء مهامها على اكمل وجه، فقد تصدت للمتظاهرين بفاعلية، قمعاً واعتقالاً، اثناء انفجار مسيرات الاحتجاج التضامنية ضد المجازر الاسرائيلية في قطاع غزة، ووقفت متفرجة عندما هاجم المستوطنون اهالي مدينة الخليل قبل شهر وعاثوا فيها فساداً وتدميراً واعتداء، حتى ان احد قادتها رد على طلبات مواطنيه بالتدخل لحمايتهم من وحشية هؤلاء بان ليست لديه اوامر بالتصدي للاسرائيليين، وانما للفلسطينيين.
مدينة جنين كانت من اشرس المدن الفلسطينية مقاومة، واعتبرت قاعدة صلبة لانجاب الاستشهاديين، والرجال الرجال، وتكفي الاشارة الى ان مخيمها الصغير (كيلومتر مربع) صمد عشرة ايام في وجه الاجتياح الاسرائيلي، وأوقع حوالى 26 قتيلاً في صفوف القوات المعتدية، وستة وثلاثين جريحاً، اي اربعة اضعاف خسائر الجيش الاسرائيلي في عدوانه الاخير على قطاع غزة، وهذا ما يفسر تركيز الجنرال دايتون على هذه المدينة، وجعلها 'الجوهرة' في تاج 'انجازاته' الامنية، اي كسر شوكة المقاومة فيها، وتعميم التجربة فيها على مختلف المدن الفلسطينية الاخرى في الضفة.
فالهدف من انشاء هذه القوات و'تسمينها' وانفاق الملايين على تدريبها، ليس الاعداد لبناء الدولة الفلسطينية، وانما لمنعه، وتكريس الاحتلال الراهن، ففي مختلف انحاء العالم يتم بناء الدولة اولاً، ثم مؤسساتها الامنية والسياسية، الا في فلسطين، فالمثلث 'مقلوب' وكذلك الأولويات، وهذا ما يفسر توسع الاستيطان، واستمرار نهب الأرض، وحفر انفاق تحت المسجد الاقصى (فأنفاق القدس حميدة لأنها اسرائيلية حتى لو قوّضت اساسات الاقصى.. اما أنفاق رفح فشيطانية لانها تستخدم في تهريب الطعام والدواء للمحاصرين).
قوات دايتون الامنية التي يبلغ عددها حوالى 1600 حتى الآن، وجرى تدريبها في الاردن، وتستعد لانضمام 500 يخضعون الآن لدورات تدريبية مماثلة، تتمحور مهمتها حول كيفية حماية المستوطنات، وقمع اي مقاومة فلسطينية بالقوة، والعمل جنباً الى جنب مع نظيرتها الاسرائيلية في هذا الميدان، اي قتل الشعور الوطني كلياً.
ومن الواضح ان هذه القوات تتناغم مع المشاريع الامريكية المستقبلية للضفة، وعدم تكرار تجربة القطاع، أي الحيلولة دون تحولها إلى قاعدة للمقاومة. ولخص توني بلير مبعوث اللجنة الرباعية مستقبل الضفة الغربية هذا بالقول بضرورة التركيز على البنية التحتية الاقتصادية، وتأهيلها للارتقاء بالمستوى المعيشي للسكان، كخطوة أساسية قبل الوصول إلى بناء الدولة. وكرر الشيء نفسه غوردون براون رئيس الوزراء البريطاني أثناء زيارته الأخيرة إلى رام الله.
بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود والمرشح الأبرز للفوز في الانتخابات الاسرائيلية العامة التي تبدأ غداً، التقط هذا الخيط، وبدأ يركز في حملته الانتخابية على 'السلام الاقتصادي' مع الفلسطينيين والتعهد بعدم اعادة الضفة والجولان إلى أصحابهما العرب.
العقيد راضي أبو عصيدة أحد قادة أجهزة الجنرال دايتون الأمنية قال بافتخار 'اننا نملك الآن المهنية في قواتنا، مثلما نملك تدريباً جيداً، وأصبحنا نقول للناس بامكانكم أن تتظاهروا تضامناً مع غزة، ولكن عليكم أن تفعلوا ذلك بطريقة عصرية'.
وما يقصده العقيد راضي بالطريقة العصرية هذه، ان يكونوا مثل شعب آلاسكا أو ايسلاند، أي ايقاد الشموع والصلاة لضحايا الوحشية الاسرائيلية، اما غير ذلك فسيقابل بالهراوات وربما باطلاق النار والتعذيب في المعتقلات.
كيف يتظاهر ابناء الضفة بطريقة حضارية والجنود الاسرائيليون يهينونهم يومياً أمام الحواجز، ويصادرون أراضيهم ويقوضون أسس مسجد أقصاهم، ويطلقون العنان للمستوطنين للاعتداء عليهم وتدمير مزروعاتهم وقلع أشجار بساتينهم؟
في الماضي كانو يتحدثون عن حل الدولتين، الآن عن 'السلام الاقتصادي'، أي تحويل الشعب الفلسطيني إلى شعب مرتش بلقمة العيش، ومرتب شهري من الدول المانحة، مقابل أن ينسى قضيته الوطنية كلياً، ومن يشق عصا الطاعة فقوات الجنرال دايتون 'المهنية' و'المدربة جيداً' كفيلة بالتعامل معه بالطريقة المناسبة.
جيدي غرينستين رئيس معهد 'ريوت' الاسرائيلي، الذي هو بمثابة 'مخزن عقول' للحكومة يقدم لها المشورات، وصف قوات دايتون هذه بأنها 'بقعة مضيئة في أفق ممزق، يمكن البناء عليها لأن المسألة ليست الأرض فقط وانما كيف نملأها'.
من المؤكد انه يقترح حلين لهذه المعضلة، حسب وجهة نظرنا، هما: ان يتم ملء هذه الأرض بالمزيد من المستوطنين، أو استيراد شعب آخر قادر على التعايش مع ممارساتهم من بقعة أخرى من العالم. فالشعب الفلسطيني لا يمكن أن يقولب حسب مواصفاتهم.
مستقبل مظلم ينتظر الشعب الفلسطيني بكل تأكيد في ظل الجنرال دايتون ومشاريعه والمؤمنين به، وما هو أكثر اظلاماً في رأينا وجود قيادة فلسطينية تفسح له المجال، وتوفر له 'الغطاء الشرعي' وتؤدي له التحية العسكرية اعجاباً وتقديراً، وتلهج بالثناء عليه وعلى 'انجازاته' العظيمة للشعب الفلسطيني.
أزمة مجتمع وليست «فاشية» نخبة
بقلم فهمي هويدي
بعد مضي ثلاثين عاما على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وأكثر من خمسة عشر عاما على اتفاقية أوسلو التي وقّعت مع الفلسطينيين، واتفاقية «وادي عربة» الموقعة مع الأردنيين؛ فإن شهية الإسرائيليين لسفك دم الفلسطينيين والفتك بهم لم تتراجع، وإنما تزايدت على نحو برز في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وهي التي أثبتت أننا لسنا فقط بصدد دولة تهيمن عليها نخبة من مجرمي الحرب، وإنما نحن بإزاء مجتمع مساند لتلك النخبة ومفتون بها.
تجلى ذلك في حقيقة أن أحد محاور المنافسة بين المرشحين للانتخابات كان يدور حول كمّ ونوع الشروط التي يتعهدون بإملائها على الفلسطينيين لضمان إخضاعهم، وكلما تشدد المرشح في شروطه استمال أعدادا أكبر من الناخبين (لاحظ أن حزب الليكود حصل في انتخابات عام 2006 على 12مقعدا وفاز هذه المرة بـ 27 مقعدا). هذا التحليل ينبّهنا إلى أن سياسة الفتك بالفلسطينيين تستجيب لرغبة شعبية أصيلة في إسرائيل، وأن المشكلة ليست في النخبة القابضة على السلطة، وإنما هي في المجتمع الذي يفرزها؛ الأمر الذى يضعنا أمام حالة نادرة يصعب استيعابها.
إذ نفهم أن يكون هناك نظام فاشي أو حزب فاشي، ولكن أن تصبح الفاشية سمة لمجتمع بأغلبيته الساحقة، فتلك حالة فريدة في التاريخ المعاصر، صحيح أن هناك استثناءات على القاعدة، لكنها تظل محدودة للغاية ولا تأثير لها على القرار السياسي هناك.
إننا إذا استعرضنا مواقف قادة الأحزاب الثلاثة الذين فازوا بأكبر عدد من المقاعد في الكنيست، فسوف نجد أن
تسيبي ليفني زعيمة حزب كاديما (28 مقعدا) تصنف بحسبانها الأكثر اعتدالا (!) بينهم، وهي الضالعة في مذبحة غزة.
أما السيد نتانياهو زعيم حزب الليكود (27 مقعدا) فهو يعلن صراحة أن المذبحة ما كان لها أن تتوقف، كما أنه لا يعترف بالاتفاقات التي وقّعها أسلافه مع الفلسطينيين.
ثالثهم افيجدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» (15 مقعدا) دعا إلى طرد فلسطينيي 48، وقصف السد العالي لإغراق مصر، واستهداف القصر الجمهوري في دمشق ليُدمَّر على من فيه، وثمة كلام كثير حول علاقاته بعالم الجريمة المنظمة والمافيا الروسية.
إذا جاز لنا أن نلخص موقف المجتمع الإسرائيلى في ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، فسنجد أن التيار الذي أطلق عليه «يسار الوسط» الذي يتحمّل المسؤولية عن مذبحة غزة يمثله 55 عضوا. أما تيار اليمين الذي لم تقنعه المذبحة وتطلَّع إلى ما هو أبعد منها، فيمثله 65 عضوا.
وكما هو واضح فإن الأخيرين يمثلون الأغلبية في البرلمان، ولابد أن تكون لهم اليد الطولى في الحكومة التي يرجح أن يتولى نتانياهو رئاستها.
من ناحية، فهذه «التركيبة» هي التي ستشترك مع الفلسطينيين في مفاوضات «السلام» المفترضة، ولن نستغرب إذا ما خرج علينا أقطابها مرددين ادعاء الحكومة السابقة اصطفافها في مربع «الاعتدال» في العالم العربي، وهو ما يستدعي أسئلة كبيرة حول المستقبل، يتعين على الطرف الفلسطيني الذي راهن على «الاعتدال» الإسرائيلي أن يجيب عليها. ليس وحده، وإنما على الطرف العربي الذي أبرأ ذمته بإطلاق «المبادرة العربية» في قمة بيروت أن يجيب عليها بدوره.
من ناحية ثانية، فإن هذه التركيبة تناسب إلى حد كبير عملية التحضير للمواجهة العسكرية مع إيران، إذا فشلت محاولات إثنائها عن إيقاف مشروعها النووي من خلال مفاوضات الأميركيين أو غيرهم.
لن يفاجئنا شيء من ذلك كله، إنما الذي لابد أن يدهشنا أن نجد في مصر من يتحدّث عن تنظيم أنشطة للتبشير بثقافة السلام، بدعوى تحصين الأجيال الجديدة بالثقافة، بحيث لم يعد يبقى من المعادلة سوى شقها المتعلق بالسلام ـ هانت
بعد مضي ثلاثين عاما على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وأكثر من خمسة عشر عاما على اتفاقية أوسلو التي وقّعت مع الفلسطينيين، واتفاقية «وادي عربة» الموقعة مع الأردنيين؛ فإن شهية الإسرائيليين لسفك دم الفلسطينيين والفتك بهم لم تتراجع، وإنما تزايدت على نحو برز في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وهي التي أثبتت أننا لسنا فقط بصدد دولة تهيمن عليها نخبة من مجرمي الحرب، وإنما نحن بإزاء مجتمع مساند لتلك النخبة ومفتون بها.
تجلى ذلك في حقيقة أن أحد محاور المنافسة بين المرشحين للانتخابات كان يدور حول كمّ ونوع الشروط التي يتعهدون بإملائها على الفلسطينيين لضمان إخضاعهم، وكلما تشدد المرشح في شروطه استمال أعدادا أكبر من الناخبين (لاحظ أن حزب الليكود حصل في انتخابات عام 2006 على 12مقعدا وفاز هذه المرة بـ 27 مقعدا). هذا التحليل ينبّهنا إلى أن سياسة الفتك بالفلسطينيين تستجيب لرغبة شعبية أصيلة في إسرائيل، وأن المشكلة ليست في النخبة القابضة على السلطة، وإنما هي في المجتمع الذي يفرزها؛ الأمر الذى يضعنا أمام حالة نادرة يصعب استيعابها.
إذ نفهم أن يكون هناك نظام فاشي أو حزب فاشي، ولكن أن تصبح الفاشية سمة لمجتمع بأغلبيته الساحقة، فتلك حالة فريدة في التاريخ المعاصر، صحيح أن هناك استثناءات على القاعدة، لكنها تظل محدودة للغاية ولا تأثير لها على القرار السياسي هناك.
إننا إذا استعرضنا مواقف قادة الأحزاب الثلاثة الذين فازوا بأكبر عدد من المقاعد في الكنيست، فسوف نجد أن
تسيبي ليفني زعيمة حزب كاديما (28 مقعدا) تصنف بحسبانها الأكثر اعتدالا (!) بينهم، وهي الضالعة في مذبحة غزة.
أما السيد نتانياهو زعيم حزب الليكود (27 مقعدا) فهو يعلن صراحة أن المذبحة ما كان لها أن تتوقف، كما أنه لا يعترف بالاتفاقات التي وقّعها أسلافه مع الفلسطينيين.
ثالثهم افيجدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» (15 مقعدا) دعا إلى طرد فلسطينيي 48، وقصف السد العالي لإغراق مصر، واستهداف القصر الجمهوري في دمشق ليُدمَّر على من فيه، وثمة كلام كثير حول علاقاته بعالم الجريمة المنظمة والمافيا الروسية.
إذا جاز لنا أن نلخص موقف المجتمع الإسرائيلى في ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، فسنجد أن التيار الذي أطلق عليه «يسار الوسط» الذي يتحمّل المسؤولية عن مذبحة غزة يمثله 55 عضوا. أما تيار اليمين الذي لم تقنعه المذبحة وتطلَّع إلى ما هو أبعد منها، فيمثله 65 عضوا.
وكما هو واضح فإن الأخيرين يمثلون الأغلبية في البرلمان، ولابد أن تكون لهم اليد الطولى في الحكومة التي يرجح أن يتولى نتانياهو رئاستها.
من ناحية، فهذه «التركيبة» هي التي ستشترك مع الفلسطينيين في مفاوضات «السلام» المفترضة، ولن نستغرب إذا ما خرج علينا أقطابها مرددين ادعاء الحكومة السابقة اصطفافها في مربع «الاعتدال» في العالم العربي، وهو ما يستدعي أسئلة كبيرة حول المستقبل، يتعين على الطرف الفلسطيني الذي راهن على «الاعتدال» الإسرائيلي أن يجيب عليها. ليس وحده، وإنما على الطرف العربي الذي أبرأ ذمته بإطلاق «المبادرة العربية» في قمة بيروت أن يجيب عليها بدوره.
من ناحية ثانية، فإن هذه التركيبة تناسب إلى حد كبير عملية التحضير للمواجهة العسكرية مع إيران، إذا فشلت محاولات إثنائها عن إيقاف مشروعها النووي من خلال مفاوضات الأميركيين أو غيرهم.
لن يفاجئنا شيء من ذلك كله، إنما الذي لابد أن يدهشنا أن نجد في مصر من يتحدّث عن تنظيم أنشطة للتبشير بثقافة السلام، بدعوى تحصين الأجيال الجديدة بالثقافة، بحيث لم يعد يبقى من المعادلة سوى شقها المتعلق بالسلام ـ هانت
عيد الحب في العراق
بقلم السومري
عزيزتي
لا تجعلي مشاغل الحياة تسرقك من نفسك ومن زوجك أعيدي الشباب لعلاقتك الزوجية؛ أطفئي أضواء الكهرباء واستقبليه بشمعة في يدك أزرعي بيتك بالشموع الحمراء والصفراء أعدّي له عشاء رومانسيا على ضوء الشموع
اطفئي المكيّفات واجعليه يلجأ الى دفء احضانك
اطفئي التلفاز لا تتيحي له مقارنتك بهيفاء أو نانسي استغني عن الميكروويف لتحميه من روائح الطبخ
وارحميه من ضجيج الغسالة الكهربائية
ولكي تشعريه بقدر من الإهتمام وبمعاناتك من أجله استخدمي المكواة القديمة التي تحمّى على بابور الكاز لكوي ملابسه
عوّديه على المشي معك يداَ بيد في ردهات المنزل وسط الظلام الدامس
مع تحيات
كهرباءالعراق
الرأسمالية : هل حان موعد صلاة الجنازة؟
بقلم: فؤاد وجاني
لم يكن جون لوك المروج لنظرية الملكية الفردية كغريزة إنسانية طبيعية في القرن السابع عشر ليتنبأ بسقوط الرأسمالية ووصولها الى الحضيض. ولم يتخيل آدم سميث مؤلف كتاب "بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم" يوما تنقلب فيه ثروة الغرب رأسا على عقب. لكن منذ أسابيع قليلة فقط أكدت إيران سقوط النظام الرأسمالي على لسان الناطق باسم حكومتها غلام حسين الهام الذي اعتبر ان رغبة الرئيس الاميركي باراك اوباما بالتحاور مع ايران تشكل اشارة الى “انهيار الفكر الرأسمالي” والولايات المتحدة.
لقد ظلت الرأسمالية ولقرون متوالية تؤمن بنظام اقتصادي يتميز بالملكية الفردية وملكية الشركات للسلع الرأسمالية عبر الإستثمارات التي تخضع للقرارات الخاصة والأسعار والإنتاج وعملية توزيع السلع وسلطة التنافس في السوق الحرة.
وشقت الرأسمالية طريقها في خلايا نسيج المجتمع الإنساني بثبات، واستطاعت مسايرة دورات التاريخ المتغيرة وأمزجة الشعوب المتقلبة وتشريعات السياسات الحكومية . فهاهي اليوم تحترم المعايير البيئية الصارمة عبر انتهاج سياسات خضراء وتحسين طرق استخدام الطاقة وتخفيض استهلاك المياه والتقليل من المواد المضرة للبيئة المستعملة في التغليف والتعبئة . وبانتهاجها تلك السياسة، تكون قد نجحت في الإرضاء المضلل للأجيال المستهلكة الصاعدة وفي تخفيض تكاليف الإنتاج والتسويق دون المس بروح الرأسمالية مكتسحة أسواق المعمور من أقصى بلاد الغرب الى آخر بلدة في الشرق.
وتجذرت ثقافة الرأسمالية في المجتمعات الغربية والشرقية على حد السواء . فبالرغم من مقاومة بعض الأفراد للإغراء الذي تحدثه الدعاية إلا أنه من الصعب تحصين الذات من موت بطيء تسببه ثقافة الإستهلاك . فالناس اليوم يتعرضون في كل زمان ومكان للإعتداء النفسي والإجتماعي والروحي من قبل الأصولية الرأسمالية التي تجعلهم يؤمنون بتزايد التوقعات المادية، وتقلل من التواصل البشري، وتدعو الى الإستيعاب الذاتي، وتطمس الإعتماد على النفس، وتبعدهم عن حقهم الطبيعي في ردود فعل عاطفية طبيعية إنسانية، وتبيعهم آمالا كاذبة لاتخلق سوى المزيد من الألم والمتاعب.
مسببات سقوط الرأسمالية إذن ليست وليدة اليوم ولاهي بحديثة العهد ، بل جاءت عبر تآكل مطرد في مجال أخلاقيات الأعمال ومعايير الإلتزام التجارية. فقد سعى كبار الرأسماليين منذ مطلع القرن الماضي الى تحديد القوانين المنظمة للتجارة والأعمال عبر الإستيلاء على مراكز التشريع والقرار والأبناك العالمية، وسلكت الرأسمالية درب تغييب الحقيقة واعتماد التضليل ، فأصبح قول نصف الحقيقة أو الكذب المتعمد خيارا تكتيكيا في مجال الحياة الرأسمالية . فتناسى الرأسماليون ومن يدور حول كعبتهم بوول ستريت أن في درب التضليل قصر نظر ونهاية عمر .
وقد دشن إفلاس "إنرون"، إحدى كبريات شركات الطاقة الأمريكية، في ديسمبر من سنة 2001 بداية نهاية الإنحلال الرأسمالي . ويعود إفلاس إنرون الى سببين رئيسيين: أولهما في مجال المحاسبات حيث حقق كبار مدراء الشركة أرباحا خيالية عبر التلاعب بتقارير أرباحها السنوية ، وثانيهما سياسي حيث ركزت إنرون على البيت الأبيض عبر قيامها بتمويل حملة جورج بوش آنذاك بمقدار 2.3 مليون دولار.
وفي مايلي سرد وجيز لبعض الأمثلة المختلفة التي توضح مدى تشعب خيوط الرأسمالية في العالم. ففي عام 1994 ، قررت حكومة هايتي رفع التعريفات الجمركية والسماح للواردات الرخيصة ، المدعومة من الأرز والمحاصيل الأخرى من الخارج. كانت هذه سياسة أوصى بها صندوق النقد الدولي ، وحثت عليها الحكومة الامريكية. وقد أدى ذلك على مدى سنوات إلى فقدان ما يقدر ب 830000 وظيفة ، وانعدام الأمن الغذائي ، وتدمير سبل العيش في الأرياف ، مما أدى في النهاية إلى أعمال شغب بسبب الجوع وقلة الغذاء عام 2008.
مثال آخر يأخذنا الى دولة الإكوادور حيث أثرت شركة النفط "شفرون تكساكو" العملاقة على الحكومة هناك لترمي بنفاياتها السامة بنهر الأمازون على حساب صحة وسلامة سكان المنطقة. أما بالهند ، فقد أرغمت الرأسمالية الفلاحين على القبول بالبذور المعدلة وراثيا من القطن مما تسبب في تلف المحاصيل ، وفي دوامة من الديون وانتحار مئات من المزارعين .
وفي المملكة العربية السعودية في عام 2004 ، لقي ثلاثة اشخاص مصرعهم في متجر "ايكيا" العملاق إثر تدافع شديد بين المتسوقين للحصول على واحدة من عدد محدود من بطاقات الائتمان بقيمة 150 دولار. وبالمثل ، في تشرين الثاني / نوفمبر 2008 ، توفي مواطن بسيط في نيويورك ب"وول مارت" بعد أن دهسه المتسوقون المهرولون لشراء واحدة من عدد محدود من شاشات البث المرئي الفائق الجودة (HDTV) من حجم خمسين بوصة. في حادث ال"وول مارت" مثلا ، لم تذكر وسائل الإعلام شيئا عن الثقافة الإستهلاكية وجنون المعلنين وعبادة الأشياء الرخيصة التي تحول الفرد الى مادة استهلاكية ومستهلكة في المجتمع الرأسمالي، بل ركزت على جنون حشد المتسوقين وفشل المسؤولين ب"وول مارت" في توفير مقومات الأمن والسلامة.
أما العراق فيعد القطرة التي أفاضت الكأس والتي وضحت توضيحا لابدعو الى شك مدى تحكم الرأسماليين في مواقع القرار ، فقد لجأت شركات "تيتان" و"كي. بي. آر" و "هاليبورتون" إلى أسلوب الابتزاز وتقديم الرشاوى للظفر بعقود في العراق لخدمة الجيش الأميركي حتى قبل أن تنطلق الحرب ، فضلاً عن تورط ضباط في الجيش الأميركي في تلك العقود. كما أن شركة "كيلوج براون أند روت" أحد الفروع التابعة لشركة "هاليبرتون" تهربت من دفع مئات الملايين من الدولارات المستحقة عليها كضرائب، وذلك من خلال توظيف عمال وهميين في جزر "كايمان". وقد استفادت شركة "هاليبرتون" التي تمتلك 58 فرعاً في جزر الكاريبي، التي تعتبر جنة ضريبية، من علاقات "تشيني" حتى قبل أن يدخل السياسة، حيث انخفض حجم المدفوعات الضريبية للشركة تحت قيادة "تشيني" من 302 مليون دولار في عام 1998 إلى 0 في عام 1999. ولم تنقطع علاقة تشني مع "هاليبورتن" بعد أن أصبح نائبا للرئيس بوش حيث استفادت "هاليبورتون" بعقود حكومية وصلت قيمتها الى 18.5 مليار دولار . كما أن أخ بوش "مارفين"، أحد مؤسسي شركة "وينستون بارتنرز"، قام بتسهيل عملية الفوز بعقود أمنية في العراق لفائدة شركة "نور" التي تدعي أن لديها خبرة وتجربة في مجال التدريب العسكري وتأمين الأسلحة، فحصلت على عقود قيمتها 327 مليون دولار تنص على تجهيز القوات المسلحة العراقية وفيلق الدفاع المدني بالمعدات الضرورية. وقد تعاونت الشركة مع "أحمد الجلبي" الذي لعب دوراً بارزا في التحريض على حرب العراق. وقد كشفت آخر التحقيقات أن الشركة المعنية لا تملك أدنى خبرة في تجهيز القوات المسلحة. أما مستشارا وزير الدفاع الأميركي السابق "دونالد رامسفيلد" فقد بالغا في التحريض على الحرب على العراق في نفس الوقت الذي كانت فيه استثماراتهما في شركة "بوينج" تتضخم بسرعة مع تعالي أصوات طبول الحرب. ولم تسلم أيادي أعضاء الكونغرس من دماء العراق، حيث أن 151 عضواً في الكونجرس استثمروا ما بين 78.7 مليون دولار و195.5 مليون دولار في الشركات التي حصلت على عقود في العراق.
إن شجع الشركات الرأسمالية التي تجني الأرباح عبر الدعوة والتحريض على سفك الدماء لن يقتصر أثره السلبي على الإقتصاد الأمريكي فحسب بل إن العراق لن يكون بمقدوره التخلص من الديون المسيطرة على اقتصاده ودواليبه حيث سيبقى العراق مدينا لبريطانيا والولايات المتحدة لعقود قادمة .
لقد حاولت بعض دول أوروبا الشرقية مثل روسيا محاولة التخلص من الأزمة الرأسمالية عبر التخلص من الدولار عبر مراحل، لتفاجأ بأن واردتها وصادراتها ومدخراتها بالدولار. فالدولار منذ خلقه كان ولايزال العملة الرأسمالية الأكثر استعمالا في المعاملات الدولية ، بالرغم من كونه العملة الوحيدة الغير مغطاة قيمتها بالذهب، وذلك منذ سنة 1973 حين امتنعت الحكومة الأمريكية عن تلبية طلب رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك "شارل ديغول" باستبدال الدولارات بالبنك المركزي الفرنسي بما يعادلها ذهبا .
أما دول الخليج ، باستثناء دولتي الإمارات العربية المتحدة وإيران، فاقتصادها مرتبط حصريا بعائدات النفط الذي لابد له من أسواق رأسمالية يكثر فيها استهلاك الطاقة.
لذلك فإن ربط التعاملات التجارية الدولية بمعياري الدولار والنفط اختراعان رأسماليان محضان وذكيان يجعلان النظام الرأسمالي يتحكم في مسار الأسواق العالمية ويجعل دول الشرق أكثر تضررا من الغرب في حال الأزمة.
لقد بدأت الحكومات الغربية تعي دور الأخلاقيات في الممارسات الإقتصادية عبر الحد من أجور المدراء وإلغاء منحهم واعتماد الشفافية . فهاهو رئيس الوزراء الاسترالى "كيفين رود" يقر بان الأزمة المالية العالمية تتطلب استخدام السلطة الحكومية "لإنقاذ الرأسمالية من نفسها."
وفي هذا الإطار تندرج الخطة التي اقترحها الرئيس أوباما ومكتبه والتي صادق عليها مجلس الشيوخ الأمريكي بقيمة 838 مليار دولارلإنقاذ الاقتصاد الأمريكي المترنح جراء الأزمة المالية العالمية ، والتي تعد الحزمة الثانية من نوعها بعد خطة الرئيس السابق جورج بوش بقيمة 700 مليار دولار. لكنها في نفس الوقت، تعد تأبينا رسميا لنظام الرأسمالية . فتدخل الدولة يتنافى مع أبسط مبادئ الرأسمالية، لكنه تدخل ضروري قد يبطئ من زحف سيل الكارثة دون أن يحول من وقوعها. فخطة الإنقاذ تجاهلت الجوانب الإجتماعية التي تمس المواطن مباشرة وتؤثر على سلامة الإقتصاد بشكل عام كالصحة والتعليم والعدل. وركزت على الجانب المالي عبر التحكم في الأبناك وتأميم بعضها وتخفيض الضرائب وفرض الرقابة الحكومية.
ختاما، يبدو أن الرأسماليين لازالوا يؤمنون بنظريات اقتصاد السوق، وبأن خطط الإنقاذ قد تحيي نظاما اقتصاديا يشهد سكرات الموت. لكن المسألة باتت تتعلق بتغيير النظام الإقتصادي برمته وبتعديل ثقافة مجتمع بأسره والبحث عن خير نظام وريث قادر على ضمان أمن الشعوب قبل رفاهية اقتصادها بل إعادة بناء أخلاق الإنسان الغربي بدل تبني حلول مالية ظرفية تؤجل الإعلان عن الوفاة الرسمية للرأسمالية.
إلقاء القبض على مؤسس قناة جسور بتهمة ذبح زوجته
تم القاء القبض على رجل الأعمال البارز في منطقة بافالو السيد مزمل حسن الذي أسس قناة جسور BridgesTV في الولايات المتحدة بتهمة قتل زوجته بقطع رأسها فى مكتب الشركة يوم الخميس.
الشرطة وجهت للزوج مزمل حسن البالغ من العمر 44 تهمة قتل من الدرجة الثانية في وفاة زوجته آسية حسن البالغة من العمر 37 عاما .
وقد كانت الزوجة صاحبة فكرة إنشاء القناة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لربط التفاهم والحوار بين الناس ، حيث كان حسن يقود سيارته وبصحبته زوجته في طريقهما من بافالو الى ديترويت يستمعان الى بعض الملاحظات الإزدرائية حول المسلمين .
تجدر الإشارة الى أن بعض وسائل الإعلام الأمريكية بدأت تتحدث عن ازدواجية موقف السيد مزمل حسن وبدأت تشكك في مصداقية شعارات قناة جسور BridgesTV ، وكعادتها ربطت الواقعة بدين الإسلام والمسلمين وحرية المرأة. لكن يبقى المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
الأحد، فبراير 1
درس أردغان لمعاشر العربان
بقلم: حامد بن عبدالله العلي
من الواضح أنَّ سبب الفرح بما فعله السيد رجب أردغان في بيريز , وبمنتدى دافوس ، عندما ردَّ غاضبا على وقاحة هذا الصهيوني العفن ، وغادر المؤتمر محتجاً على ما جرى فيه ، أنه كالفرح بحركة الخنصر بمن أصابه الشلل التام ، رجاء أن تسري هذه الحركة يوما ما في سائر الجسـد .
وليت شعري إنَّ هذا المشهد لمحزن جداً من وجه آخر ، فكيف نفرح بموقف لايعدو كلاماً ، ومقاطعة مؤتمـر في مقام عابـر ـ كان الواجب أنْ لا يُحضـر أصـلا مادام هذا الكيان الصهيوني المجرم فيه ـ في مقابل احتلال الصهاينة لأرضنا ، وقتلهم أبناءنـا ، وإهانة كرامتنا ، ومضيهم في هذا النهج بتحـدِّ سافــر لأمتنــا كل يوم ؟!
وذلك أننا ـ ولنا الحق في ذلك ـ نقارن بين حالنا اليوم ، وماضينا المجيد ، لاسيما مشهد (وامعتصماه) ، بل مشهد الخلافة العثمانية وهي تردِّد مقولة السلطان عبد الحميد الشهيرة ، عندما طلب منه اليهود أن يسمح لهم ببناء بعض القرى في فلسطين لتكون وطنا لهم : (تقطع يمينى لا أوقع على وثيقة يكون لليهود بموجبها موطئ قدم فى فلسطين .. إن عمل المبضع فى جسدى ، وتمزيقه إربا ، أهون عليّ أن أرى فلسطين ، وقد بترت من جسم دولة الخلافة) .
غير أنَّ هذه المقارنة ينبغي أن لاتنسينا أنَّ نهضـة الأمم تبدأ أحيانا بخطـوة قد تحتقرها العيـن ، وأنَّ سنة الله تعالى اقتضت إعتبـار عامل الزمن في التغيـرات الكبيرة ، وأن تجاهل هذه السنة الكونية ، سبيل المتعجليـن المحرومين من ثمار النجاح.
وإنَّ في تركيا اليوم رجوعاً عظيماً للإسـلام ، واعتزازاً كبيـراً بهويتهـم الإسلامية ، وانتماءهم الديني ، وتاريخـهم الوضـّاء في حملة راية الإسلام ، والدفاع عنه.
ومن يرى تفاعل الشعب التركي البطل مع قضايا الأمة في السنوات الأخيرة ، يرى هذا التغيّـر واضحا كرابعة النهار ،
ولاريب أنَّ في موقف الزعيم التركي ـ على ضعفه بالمقارنة التي ذكرناها ـ دروسا تكشف لنا أن تخاذل الزعماء العرب ، إنما هو بسبب عجز ذاتي ، ومهانة نفسية ، وضعف صنعوه لأنفسهم بأنفسهم ، وليس لأيِّ سبب آخر .
فالسيد أردغـان لم يقم وزنا لما يخـوِّف بها الصهاينة أهل النفوس المهينة ، من قدرات وهميّة هائلة على الإضرار بالدول فضـلا عن الشخصيـات ، ولا أقام اعتبارا للدعم الأمريكي والأوربي اللاّمحدود لهذا الكيان الخبيث ، ولا خشي أن يلاحقوه ، أو يقعدوا له بكلِّ مرصد ، ليحرموه من كرسيِّ يتخذه نداً مع الله كما يفعل الزعماء العرب.
بل وجـَّه إهانات مباشرة للقاتل المجرم بيريز ، هذا السفاح الذي أكرمه الزعماء العرب وهم أذلة ، في مؤتـمر نيويورك الذي أطلق عليه ( حوار الأديان ) ، وهو بأن يسمى شباك الشيطان أحرى وأولى ،
وجه الإهانـات لهذا السفاك في مؤتمر ( دافوس ) ، وكذَّبـه جهارا ، وأدار ظهره إلـيه ، وإلى كل الحاضرين أمامه ، مستنكراً أن يصفق هؤلاء المجرمون جميعا لهذا القاتل ، وخرج مترفعا أن يبقى في مثل هذا المكان .
صحيح أنَّ موقف يسير ـ وهو أقل بكثير من موقف شافيز البطل ـ في مقابل جرم الصهاينة الكبير ، غير أنَّ فيه دروسا لمعاشر الزعمـاء العرب الذين بقوا صامتين ، مذهولين ، واكتفى عمرو موسى بجعجعته المعهودة ، التي لا طحـن فيها ، ولا هـي يعول عليها.
ومن الدروس المستفادة أيضا ، أنه لولا جذور أردوغان الإسلامية ، وبقايا أثـر الخطاب الإسلامي في شخصيته ، لما وقف هذا الموقف ، ولاننسى أنه قد أشار إلى هذا ، من أول أيام العدوان الصهيوني على غزة ، معتزاً بإنتماءه إلى الخلافة العثمانية.
وفي هذا درس أخـر أنَّ الإسلام هو منبـع عزِّ هذه الأمـة ، فكما أن حماس انتصرت بالإسلام ، وهتفت لها الأمة الإسلامية ، بسبب جهادها بهذه الراية ، وقف الترك مع القضية الفلسطينية بسبب إسلامهم ، أو بقيـَّة باقية منه .
وهاهـم اليوم يعودون إلى إسلامهم ، ويضربون أمثلـة لبني العروبة ، ويعطونهـم دروسا في العزَّة ، والإعـتزاز بالإسلام ، متذكِّرين تاريخهـم الناصع الذي نعـتز به.
ولاريب أن هذا التاريخ الناصع ، قد تعرض لحملات كبيرة من التشويه المنظم ، واكبـت فترة الإستعمار الماضي ، عندما تداعت الأمم على الخلافة لإسقاطها ، وبعد سقوطهـا ، لئلا يبقى هذا النموذج الإسلامي مصدر إلهام في الأمـَّة ،
وقد تـمَّ لهدف تشويه تاريخ الخلافة العثمانية تجنيد كثيـر من المفكرين ، والكتاب العرب ، وغيرهـم .
ولهذا فسوف نكتب إن شاء الله تعالى ومضات من تاريخ الخلافة العثمانية في المقال القادم ، موجهـين العلماء ، والدعاة ، إلى مد اليد لهذه النهضة الإسلامية المباركة في تركيـا .
من الواضح أنَّ سبب الفرح بما فعله السيد رجب أردغان في بيريز , وبمنتدى دافوس ، عندما ردَّ غاضبا على وقاحة هذا الصهيوني العفن ، وغادر المؤتمر محتجاً على ما جرى فيه ، أنه كالفرح بحركة الخنصر بمن أصابه الشلل التام ، رجاء أن تسري هذه الحركة يوما ما في سائر الجسـد .
وليت شعري إنَّ هذا المشهد لمحزن جداً من وجه آخر ، فكيف نفرح بموقف لايعدو كلاماً ، ومقاطعة مؤتمـر في مقام عابـر ـ كان الواجب أنْ لا يُحضـر أصـلا مادام هذا الكيان الصهيوني المجرم فيه ـ في مقابل احتلال الصهاينة لأرضنا ، وقتلهم أبناءنـا ، وإهانة كرامتنا ، ومضيهم في هذا النهج بتحـدِّ سافــر لأمتنــا كل يوم ؟!
وذلك أننا ـ ولنا الحق في ذلك ـ نقارن بين حالنا اليوم ، وماضينا المجيد ، لاسيما مشهد (وامعتصماه) ، بل مشهد الخلافة العثمانية وهي تردِّد مقولة السلطان عبد الحميد الشهيرة ، عندما طلب منه اليهود أن يسمح لهم ببناء بعض القرى في فلسطين لتكون وطنا لهم : (تقطع يمينى لا أوقع على وثيقة يكون لليهود بموجبها موطئ قدم فى فلسطين .. إن عمل المبضع فى جسدى ، وتمزيقه إربا ، أهون عليّ أن أرى فلسطين ، وقد بترت من جسم دولة الخلافة) .
غير أنَّ هذه المقارنة ينبغي أن لاتنسينا أنَّ نهضـة الأمم تبدأ أحيانا بخطـوة قد تحتقرها العيـن ، وأنَّ سنة الله تعالى اقتضت إعتبـار عامل الزمن في التغيـرات الكبيرة ، وأن تجاهل هذه السنة الكونية ، سبيل المتعجليـن المحرومين من ثمار النجاح.
وإنَّ في تركيا اليوم رجوعاً عظيماً للإسـلام ، واعتزازاً كبيـراً بهويتهـم الإسلامية ، وانتماءهم الديني ، وتاريخـهم الوضـّاء في حملة راية الإسلام ، والدفاع عنه.
ومن يرى تفاعل الشعب التركي البطل مع قضايا الأمة في السنوات الأخيرة ، يرى هذا التغيّـر واضحا كرابعة النهار ،
ولاريب أنَّ في موقف الزعيم التركي ـ على ضعفه بالمقارنة التي ذكرناها ـ دروسا تكشف لنا أن تخاذل الزعماء العرب ، إنما هو بسبب عجز ذاتي ، ومهانة نفسية ، وضعف صنعوه لأنفسهم بأنفسهم ، وليس لأيِّ سبب آخر .
فالسيد أردغـان لم يقم وزنا لما يخـوِّف بها الصهاينة أهل النفوس المهينة ، من قدرات وهميّة هائلة على الإضرار بالدول فضـلا عن الشخصيـات ، ولا أقام اعتبارا للدعم الأمريكي والأوربي اللاّمحدود لهذا الكيان الخبيث ، ولا خشي أن يلاحقوه ، أو يقعدوا له بكلِّ مرصد ، ليحرموه من كرسيِّ يتخذه نداً مع الله كما يفعل الزعماء العرب.
بل وجـَّه إهانات مباشرة للقاتل المجرم بيريز ، هذا السفاح الذي أكرمه الزعماء العرب وهم أذلة ، في مؤتـمر نيويورك الذي أطلق عليه ( حوار الأديان ) ، وهو بأن يسمى شباك الشيطان أحرى وأولى ،
وجه الإهانـات لهذا السفاك في مؤتمر ( دافوس ) ، وكذَّبـه جهارا ، وأدار ظهره إلـيه ، وإلى كل الحاضرين أمامه ، مستنكراً أن يصفق هؤلاء المجرمون جميعا لهذا القاتل ، وخرج مترفعا أن يبقى في مثل هذا المكان .
صحيح أنَّ موقف يسير ـ وهو أقل بكثير من موقف شافيز البطل ـ في مقابل جرم الصهاينة الكبير ، غير أنَّ فيه دروسا لمعاشر الزعمـاء العرب الذين بقوا صامتين ، مذهولين ، واكتفى عمرو موسى بجعجعته المعهودة ، التي لا طحـن فيها ، ولا هـي يعول عليها.
ومن الدروس المستفادة أيضا ، أنه لولا جذور أردوغان الإسلامية ، وبقايا أثـر الخطاب الإسلامي في شخصيته ، لما وقف هذا الموقف ، ولاننسى أنه قد أشار إلى هذا ، من أول أيام العدوان الصهيوني على غزة ، معتزاً بإنتماءه إلى الخلافة العثمانية.
وفي هذا درس أخـر أنَّ الإسلام هو منبـع عزِّ هذه الأمـة ، فكما أن حماس انتصرت بالإسلام ، وهتفت لها الأمة الإسلامية ، بسبب جهادها بهذه الراية ، وقف الترك مع القضية الفلسطينية بسبب إسلامهم ، أو بقيـَّة باقية منه .
وهاهـم اليوم يعودون إلى إسلامهم ، ويضربون أمثلـة لبني العروبة ، ويعطونهـم دروسا في العزَّة ، والإعـتزاز بالإسلام ، متذكِّرين تاريخهـم الناصع الذي نعـتز به.
ولاريب أن هذا التاريخ الناصع ، قد تعرض لحملات كبيرة من التشويه المنظم ، واكبـت فترة الإستعمار الماضي ، عندما تداعت الأمم على الخلافة لإسقاطها ، وبعد سقوطهـا ، لئلا يبقى هذا النموذج الإسلامي مصدر إلهام في الأمـَّة ،
وقد تـمَّ لهدف تشويه تاريخ الخلافة العثمانية تجنيد كثيـر من المفكرين ، والكتاب العرب ، وغيرهـم .
ولهذا فسوف نكتب إن شاء الله تعالى ومضات من تاريخ الخلافة العثمانية في المقال القادم ، موجهـين العلماء ، والدعاة ، إلى مد اليد لهذه النهضة الإسلامية المباركة في تركيـا .
Obama’s half brother arrested
George Obama was arrested in Kenya on a charge for possession of marijuana, according to police.
Inspector Augustine Mutembei, the officer in charge, said Obama was arrested on charges of possession of cannabis, known in Kenya as Bhang, and resisting arrest. He is scheduled to appear in court Monday, Mutembei said.
He is being held at Huruma police post in the capital of Nairobi.
Speaking from behind bars, Obama denied the allegations.
“They took me from my home,” he said, “I don’t know why they are charging me.”
George Obama and the president barely know each other, though they have met before. George Obama was one of the president’s few close relatives who did not go to the inauguration in Washington last week.
In his memoir, “Dreams from My Father,” Barack Obama describes meeting George as a “painful affair.” Barack Obama’s trip to Kenya meant meeting family he had never known.
The two men share the same Kenyan father. In the memoir, Barack Obama struggles to reconcile with his father after he left him and his mother when he was just a child.
Barack Obama Sr. died in a car accident when George was just 6 months old. Like his half brother, George hardly knew his father.
George was his father’s last child and had not been aware of his famous half brother until he rose to prominence in the Democratic primaries last year.
Unlike his grandmother in Kogela, in western Kenya, George Obama had received little attention from the media until reports about him surfaced in August 2008.
The reports sprung from an Italian Vanity Fair article saying George Obama lived in a shack and was “earning less than a dollar a day.” Those reports left George Obama angry.
“I was brought up well. I live well even now,” he said. “The magazines, they have exaggerated everything.
“I think I kind of like it here. There are some challenges, but maybe it is just like where you come from, there are the same challenges,” Obama said.
Obama, who is in his mid-20s, said at the time that he was learning to become a mechanic and was active in youth groups in Huruma. He said he tried to help the community as much as he can.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)