الأحد، فبراير 1

درس أردغان لمعاشر العربان

بقلم: حامد بن عبدالله العلي

من الواضح أنَّ سبب الفرح بما فعله السيد رجب أردغان في بيريز , وبمنتدى دافوس ، عندما ردَّ غاضبا على وقاحة هذا الصهيوني العفن ، وغادر المؤتمر محتجاً على ما جرى فيه ، أنه كالفرح بحركة الخنصر بمن أصابه الشلل التام ، رجاء أن تسري هذه الحركة يوما ما في سائر الجسـد .
وليت شعري إنَّ هذا المشهد لمحزن جداً من وجه آخر ، فكيف نفرح بموقف لايعدو كلاماً ، ومقاطعة مؤتمـر في مقام عابـر ـ كان الواجب أنْ لا يُحضـر أصـلا مادام هذا الكيان الصهيوني المجرم فيه ـ في مقابل احتلال الصهاينة لأرضنا ، وقتلهم أبناءنـا ، وإهانة كرامتنا ، ومضيهم في هذا النهج بتحـدِّ سافــر لأمتنــا كل يوم ؟!
وذلك أننا ـ ولنا الحق في ذلك ـ نقارن بين حالنا اليوم ، وماضينا المجيد ، لاسيما مشهد (وامعتصماه) ، بل مشهد الخلافة العثمانية وهي تردِّد مقولة السلطان عبد الحميد الشهيرة ، عندما طلب منه اليهود أن يسمح لهم ببناء بعض القرى في فلسطين لتكون وطنا لهم : (تقطع يمينى لا أوقع على وثيقة يكون لليهود بموجبها موطئ قدم فى فلسطين .. إن عمل المبضع فى جسدى ، وتمزيقه إربا ، أهون عليّ أن أرى فلسطين ، وقد بترت من جسم دولة الخلافة) .
غير أنَّ هذه المقارنة ينبغي أن لاتنسينا أنَّ نهضـة الأمم تبدأ أحيانا بخطـوة قد تحتقرها العيـن ، وأنَّ سنة الله تعالى اقتضت إعتبـار عامل الزمن في التغيـرات الكبيرة ، وأن تجاهل هذه السنة الكونية ، سبيل المتعجليـن المحرومين من ثمار النجاح.
وإنَّ في تركيا اليوم رجوعاً عظيماً للإسـلام ، واعتزازاً كبيـراً بهويتهـم الإسلامية ، وانتماءهم الديني ، وتاريخـهم الوضـّاء في حملة راية الإسلام ، والدفاع عنه.
ومن يرى تفاعل الشعب التركي البطل مع قضايا الأمة في السنوات الأخيرة ، يرى هذا التغيّـر واضحا كرابعة النهار ،
ولاريب أنَّ في موقف الزعيم التركي ـ على ضعفه بالمقارنة التي ذكرناها ـ دروسا تكشف لنا أن تخاذل الزعماء العرب ، إنما هو بسبب عجز ذاتي ، ومهانة نفسية ، وضعف صنعوه لأنفسهم بأنفسهم ، وليس لأيِّ سبب آخر .
فالسيد أردغـان لم يقم وزنا لما يخـوِّف بها الصهاينة أهل النفوس المهينة ، من قدرات وهميّة هائلة على الإضرار بالدول فضـلا عن الشخصيـات ، ولا أقام اعتبارا للدعم الأمريكي والأوربي اللاّمحدود لهذا الكيان الخبيث ، ولا خشي أن يلاحقوه ، أو يقعدوا له بكلِّ مرصد ، ليحرموه من كرسيِّ يتخذه نداً مع الله كما يفعل الزعماء العرب.
بل وجـَّه إهانات مباشرة للقاتل المجرم بيريز ، هذا السفاح الذي أكرمه الزعماء العرب وهم أذلة ، في مؤتـمر نيويورك الذي أطلق عليه ( حوار الأديان ) ، وهو بأن يسمى شباك الشيطان أحرى وأولى ،
وجه الإهانـات لهذا السفاك في مؤتمر ( دافوس ) ، وكذَّبـه جهارا ، وأدار ظهره إلـيه ، وإلى كل الحاضرين أمامه ، مستنكراً أن يصفق هؤلاء المجرمون جميعا لهذا القاتل ، وخرج مترفعا أن يبقى في مثل هذا المكان .
صحيح أنَّ موقف يسير ـ وهو أقل بكثير من موقف شافيز البطل ـ في مقابل جرم الصهاينة الكبير ، غير أنَّ فيه دروسا لمعاشر الزعمـاء العرب الذين بقوا صامتين ، مذهولين ، واكتفى عمرو موسى بجعجعته المعهودة ، التي لا طحـن فيها ، ولا هـي يعول عليها.
ومن الدروس المستفادة أيضا ، أنه لولا جذور أردوغان الإسلامية ، وبقايا أثـر الخطاب الإسلامي في شخصيته ، لما وقف هذا الموقف ، ولاننسى أنه قد أشار إلى هذا ، من أول أيام العدوان الصهيوني على غزة ، معتزاً بإنتماءه إلى الخلافة العثمانية.
وفي هذا درس أخـر أنَّ الإسلام هو منبـع عزِّ هذه الأمـة ، فكما أن حماس انتصرت بالإسلام ، وهتفت لها الأمة الإسلامية ، بسبب جهادها بهذه الراية ، وقف الترك مع القضية الفلسطينية بسبب إسلامهم ، أو بقيـَّة باقية منه .
وهاهـم اليوم يعودون إلى إسلامهم ، ويضربون أمثلـة لبني العروبة ، ويعطونهـم دروسا في العزَّة ، والإعـتزاز بالإسلام ، متذكِّرين تاريخهـم الناصع الذي نعـتز به.
ولاريب أن هذا التاريخ الناصع ، قد تعرض لحملات كبيرة من التشويه المنظم ، واكبـت فترة الإستعمار الماضي ، عندما تداعت الأمم على الخلافة لإسقاطها ، وبعد سقوطهـا ، لئلا يبقى هذا النموذج الإسلامي مصدر إلهام في الأمـَّة ،
وقد تـمَّ لهدف تشويه تاريخ الخلافة العثمانية تجنيد كثيـر من المفكرين ، والكتاب العرب ، وغيرهـم .
ولهذا فسوف نكتب إن شاء الله تعالى ومضات من تاريخ الخلافة العثمانية في المقال القادم ، موجهـين العلماء ، والدعاة ، إلى مد اليد لهذه النهضة الإسلامية المباركة في تركيـا .

ليست هناك تعليقات: