بقلم: حسن كامل الفضلي
تعيش منطقة الشرق الأوسط منذ ما يناهز الستين عاما حالة من التَيه والحيرة، فهي لا تكاد تخرج من أزمة إلا وتقع في أخرى! بل إن شعوب هذه المنطقة - المغلوب على أمرهم - صاروا يتوقون إلى العيش بسلام وسكينة في بلدانهم التي لم تذق طعم الأمن والأمان منذ أن غَلِبَتِ الرُّومُ العرب فِي بِضْعِ سِنِينَ عجاف! زرعت خلالها كيانا غاصبا في غربي بلادنا العربية - حيث الأرض المقدسة – رافعا ذيله بكل عجرفة وكبرياء! يثير القلاقل في المنطقة ويصب الزيت على النار! مطبقا بذلك نظرية (فرق تسد) حتى يتسنى له العيش طويلا في أرض فلسطين، وأنّى له ذلك!
ومنذ أن تأسس هذا الكيان الغاصب على أرض فلسطين، تشكلت فرق وجماعات عسكرية كثيرة كان - وما زال - هدفها الوحيد تحرير الأرض والإنسان والمقدسات من براثن هذا المحتل، وإبقاء شعلة الأمل تستعر في قلوب الأحرار في هذا العالم، من دون أن يكترثوا بصيحات الاستهجان (العالمية) التي يلاقونها صباحا ومساء استنكارا وتنديدا بمقاومتهم الفريدة والنوعية التي زلزلت كيان الدولة اللقيطة! حتى بات رموزها يجبّن كل منهم صاحبه ويحمله مسؤولية الهزيمة المذلة التي مُنوا بها على أيدي المؤمنين الصابرين في حرب تموز الأخيرة التي كانت بحق نصرا الهيا عظيما فرح به المؤمنون الأخيار وعبست له وجوه المرجفين من بعض أصحاب الأقلام!
وبعد مرور تاريخ طويل على تأسيس حركات المقاومة الإسلامية والعربية في وجه الكيان الصهيوني، ظهرت على الساحة جملة من حملات التشويه (المتعمد) التي تهدف إلى زعزعة ثقة شعوب المنطقة بهذه الحركات والتقليل من أهمية الدور المحوري الذي تلعبه في المنطقة! وكان من ضمن الأمور التي تُذاع بين الفينة والأخرى من أجل النيل من هذه المقاومة هو أن هذه الحركات تربي شبابها على ثقافة الموت وتحرمهم من الانفتاح على ثقافة الحياة المزعومة! وكأن الحياة بنظرهم صارت مجرد الخضوع لقوى الاستكبار العالمي وتنفيذ شروطها وتأدية فروض الطاعة والولاء لها من أجل الحصول على فتات الثروات التي يقتسمونها فيما بينهم! والموت هو مقارعة الظالمين والتمسك بالحرية والأمل في زوال دولة الباطل والعيش في دولة الحق والعدل حتى لو كان ثمن ذلك تهاوي رؤوسهم وقتلهم وحرقهم وصبغ الأرض بدمائهم!..
ولو راجع هؤلاء المثبطون تاريخ حركات المقاومة في العالم، لخجلوا من أنفسهم قبل أن يثيروا مثل هذه الشبهات! فالولايات المتحدة الأميركية (مثلا) لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه الآن لولا مقاومة الشعب الأميركي للاحتلال البريطاني وقيام معارك طاحنة بين الثوار الأميركيين والقوات الملكية البريطانية، فهل يجرؤ أحد الآن أن يصف المقاومين الأميركيين بالإرهابيين وأنهم صنّاع موت وأعداء للحياة؟! وكذلك الجمهورية الفرنسية الحديثة لم تحصل على مكانتها العالمية المرموقة إلا بعد أن انتفض الشعب الفرنسي على نظامه الحاكم آنذاك وقيامه بتشكيل فرق مسلحة جعلت عاليَ القوم أسفلهم! فهل يجرؤ أحد على وصفهم أيضا بعشاق الموت؟!
والشيء بالشيء يُذكر، إذا أردنا أن نعرف من هم أعداء الحياة ومن هم المتعطشون إلى الدماء فعلينا أن ندقق فيما صنعه رجال تلك الثورات - آنفة الذكر – في أعدائهم وفي الجواسيس الذين كانوا يعملون لحساب أعدائهم من عمليات قتل وإعدام واسعة خلت من أي شفقة ورحمة! على عكس المقاومة الإسلامية التي سلمت أمر الجواسيس إلى السلطات الحاكمة ولم تمسهم بأي سوء في خطوة رائعة منها عكست مدى تحضرها وتحلي رجالها بالأخلاق الفاضلة وقيامها على أساس ثقافة تدعو إلى الحياة وتمقت القتل وتسعى إلى تحقيق أكبر قدر من الانتصارات بأقل قدر من سفك الدماء..
ولعل الذي دعا البعض إلى إثارة مثل هذه الشبهات حول حركات المقاومة الإسلامية هو حيرته ودهشته من عشق أولئك الشبان للاستشهاد وعدم خوفهم في سوح الوغى سواء أوقعوا على الموت أم وقع الموت عليهم! ولو تأملنا قليلا لرأينا أن خلفيتهم الفكرية والعقائدية هي التي جعلت قلوبهم كزبر الحديد، حتى كأنهم ليوث قد خرجوا من غاباتهم، لو همّوا بإزالة الجبال لأزالوها من مواضعها!
فهؤلاء الرجال يحملون فكرا ثوريا ورثوه من سيد الشهداء وملهم الثوار (ع) الذي تحدى الظالمين في زمانه وأسقطهم من عروشهم وقبّح الحياة معهم حين صرخ في وجوههم: (إني لا أرَى المَوتَ إِلاَّ سَعَادَة والحَياةَ مَع الظالمينَ إِلاَّ بَرَمَا).. ( ألا إنّ الدّعيّ بنَ الدّعي قَد رَكزَ بينَ اثنتين – بينَ السّلةِ والذلةِ – وهَيهَات منّا الذّلة، يَأبَى الله لنَا ذلكَ ورسولُه..)
ولم تصبح قلوبهم أشد من الحجر إلا بعد أن سمعوا ووعوا قول إمامهم الضارب بسيفين والطاعن برمحين والثابت ببدر وحنين: ( وَقدْ أرعَدوا وأبْرَقوا، ومَعَ هذيْن الأمريْنِ الفشَل! ولَسنَا نُرعِدُ حتّى نوقِع، ولا نُسيلُ حتّى نُمطِر).. وكأن أمير المؤمنين (ع) ماثلا أمامهم مشمرا حاسرا عن ذراعيه، يذود عنهم بسيفه ذي الفقار رايات المنافقين وهو يصرخ فيهم صرخة رجل واحد: ( تَزولُ الجِبالُ ولا تَزُل، عَضّ على ناجِذِك، أعِرِ اللهَ جُمجُمَتَك، تِدْ فِي الأرضٍ قدَمَك، إرمِ ببصَرك أقصَى القَوْم، وغُضّ بَصَرَك، واعلَمْ أنّ النّصرَ مِن عِنْد اللهِ سُبحَانه)،وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
hasan_alfadhli@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق