بقلم: فؤاد وجاني
حَسْبُك أن تفتش في غرفة ابنك أو ابنتك أو ربما ملابسك أو ثياب زوجتك لتجد قميصا أو ترمق صورة اعتلت جدران بيتك لأحد الثوريين الغربيين من طراز تشي جيفارا أو غاندي ولربما صورة لماركس أو لينين أو شعارا لمارتن لوثر كينغ ، هذا إن حالفك الحظ وكان أهلك من الواعين المستوعبين .
أما إذا خالفك الجد وغدرك النصيب وكان أقرباؤك من الغافلين المغفلين ، فقد تكتشف صورا وعلامات يندى لها الجبين من ماجني "البوب" و"الروك" وسفهاء "الهيب هوب" ومشاهير المستهترين من "البلاي بوي" وشتى متاهات الهز وخرافات الهزج .
وقد يكاد لايخلو محفل تحضره ولايفرغ مجمع تشهده ، أيها العربي المحافظ على أصوله من الإنقراض في زمن الديناصورات الثقافية ، دون أن تلمح أشخاصا من لحمك وجلدك قد اتخذوا أسوة من كل حدب واعتبروا قدوة من كل صوب إلا من تراثنا العربي الحافل وماضينا الإسلامي الزاهر .
ولَئِنْ سألت أولئك أو استجوبت هؤلاء عن الأنوال ، لحدقت فيك العيون الجاحظة وكأنك نطقت بصنف من أصناف البطيخ أو لفظت اسما من أسماء سكان المريخ .
قل هي الأنوال ، معركة الرجال الأمازيغيين في زمن قل فيه الأنذال ، وكثرت فيه الأفعال ، وندرت فيه الأقوال . إنه زمان محمد بن عبد الكريم الخطابي ، وماأدراكم من الخطابي ، أمير المجاهدين ، أسد الريف القادم من قلعة أجدير المحصنة ، حامي الحمى ، قاهر العدى ، بطل الوغى ، راجي الردى ، سليل العلا .
هو من خيب آمال ملك اسبانيا ألفونسو الثالث عشر وقائد قواته الجنرال سلفستري اللذان توعداه جهلا بأن يهزماه ويشربا الشاي المغربي بنكهة النعناع على سفرة مائدته وبعقر داره ، فباغتهما زئير الأسد الخطابي ومن حوله من المؤمنين المجاهدين بأنفسهم وأموالهم ليذيقوا جنود الإحتلال طعم أبوالهم بدل الشاي بعد حصارهم عن مبنع الماء الزلال بمعركة الأسود الأبطال المسماة بالأنوال بثغور شرق الشمال في مدن الحسيمة والناظور وتطوان وشفشاون وجبل العروي ومليلية بالمغرب .
كم رائع أنت ياخطابي في تاريخنا ، وماأحوجنا الى أمثالك في زماننا ، فقد استبدل عرباننا زئير أسد الغاب الثائرة بمواء القطط المنزلية الهجينة . وكم خائبة هي شعوبنا ، وقد أضحت صماء بكماء عمياء ، لاتملك لنفسها زماما ولاتغضب لشرفها إلا لماما.
لن أخوض في حياة الرجل خوضا عميقا ، ولن أعد ملاحمه تعدادا وافيا ، ولن أعرض سيرته عرضا مفصلا، بل أترك تلك المهمة الطويلة المسترسلة لكتب التاريخ ، فأوراق شجر شرق المغرب تذكره ، وسطور يوميات الكرام تحفظه ، وصهوات سلالات الخيل تردده ، وأفئدة المقاومين الأحرار تعهده ، وشرفاء العالم يقلدونه ، وثوار أمريكا اللاتينية يجلونه ، وأسوار الصين العظيمة تعظمه .
يكفيك الذهاب لمنطقة الريف بالمغرب لترى بأم عينك حماسته ينقشها جبل العروي الشامخ على طبيعة ملؤها العنفوان وأصالة مبعثها الإباء . وحسبك زيارة قصيرة لمقبرة الشهداء بالقاهرة ، حيث يرقد جثمانه ، لتسمع بطبلة أذنك روايات القوميين والناصريين والإسلاميين والغيورين والأحرار عن بطولاته الإسلامية وزعاماته العربية .
تاريخ الخامس والعشرين من شوال سنة 1339هـ سيبقى تاجا على رؤوس الأحرار ووصمة عار على جبين المستعمرين الأشرار . إنه تاريخ يذكرنا في كل سنة ، رغم كثرة جحودنا وقلة معروفنا ، بخصوبة الأرض العربية الطيبة المعطاء التي لن تبخل عن مدنا بالثوريين العظماء الواقفين كأسوار قلاع محصنة أمام غزوات الإنتهازيين في كل زمان ومكان ، سواء من داخل البلاد أو خارجها ، فداء لحرية أوطاننا من أكف الإحتلال وبراثن الإستغلال .
الطريق مازال شاقا وعسيرا ، لكن العبرة في الذكرى لأن الذكرى تنفع المؤمنين بوطن حر مستقل قائم على أساس العدل بين الناس ، حدوده من البوغاز الى الفرات ، يملك زمام أموره ولايجرؤ عدو على ثغوره .
ختاما ، قبل أن تلبس قميصا عليه صورة جيفارا أو تعلق صورة لمايكل جاكسون ، تذكر أن رجال أمتنا أطهر وأحق بقميص يسترك وأجدر بجدار يأويك من أي كائن آخر .
وقبل أن تحكي روايات "هاري بوتر" المسمومة لأطفالك قبيل النوم ، تذكر قصصا شفائية من وحي التاريخ الإسلامي كحقيقة محمد بن عبد الكريم الخطابي ، تلك التي تزرع مفهوم الإرادة في نفوس الصغار وتوقد شرارة الغيرة على الوطن في أفئدة الكبار .
وقبل أن تشاهد تفاهات "ستار أكاديمي" أو تستمتع بفقاعات "من سيربح المليون"، استثمر وقتك في متابعة ملاحم آلاف الأبطال من واقع أمتنا ، أولئك الذين قدموا أنفسهم قربانا لحرية هذا الوطن الكريم ، علك تستخلص حكما وتربح عبرا تنفعك حتما في إيقاظ ضميرك وتغيير مصيرك .
الأحد، أغسطس 2
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق