بقلم: فؤاد وجاني
حين تشتاق نفسي الى الضحك والطرافة و تتوق روحي الى المرح والفكاهة،لا أطالع مقالات الأدباء الساخرة ولا أقرأ نكت المازحين العابرة ولا أرتاد مجالس الظرفاء العامرة فحسب ، بل غدوت أتابع بشوق عميق وميل دقيق كلام بطل الكوميديا الأزهرية النجم الطنطاوي الساطع في الصحف المكتوبة والقنوات المرئية والإذاعات المسموعة .
يبدو أن هذا الرجل القصير القامة ، الفرعوني الهامة ، العظيم المنصب ، الصعيدي المنبت ، ذي العمامة البيضاء ، والوجه المستدير، والجبين المستنير ، والبطن المنتفخة، والعينين الصينيتين ، قد تحول الى كوميدي من الطراز الرفيع، قد نستغني بفتاويه عن شرائط عادل إمام الصاخبة ونكتفي بأحاديثه عن أفلام شارلي شابلين الصامتة .
ماأتعسنا، فمواهب الطنطاوي الكوميدية ظهرت متأخرة بعد أن غمر الشيب شعر رأسه الخفيف، وتمكنت الشيخوخة من أعضاء جسمه النحيف ، ولو أنها ظهرت زمان اسماعيل ياسين لكانت الكوميديا المصرية قد شقت دربا أيسر ونحت منحى أسخر .
لكن السينما المصرية في حالها اليوم لفي أمس الحاجة الى فكاهة من مستوى طرافة كوميدي الأزهر على تقدم سنه وتأخر فنه، علها ترفع من واقعها المتردي وترجع بها الى عصرها الذهبي . فالهزل في شرع الضاحكين خير وإن تأخر، وليس في الإستهتار ضير وإن جاء على لسان عالم الأزهر . فالرجل قد اتخذ من أسلوب الطنز مذهبا ومن مشاعر الناس مطنزا حتى غدا طنازا بدرجة شيخ .
فبالأمس القريب، حين دعا ساركوزي شيوخ الأزهر وعلى رأسهم الطنطاوي للحصول على تأييدهم في قضية منع الحجاب ، طنطن الطنطاوي مشيرا الى أن "الحجاب ينطبق على المرأة في البلاد الإسلامية فقط" ، ودندن أن من حق فرنسا منع الحجاب بل كررها بالثلاث وكأن الحجاب امرأة خيف عليها النشوز فقرر تطليقها طلاقا بائنا مثلثا: "هذا حقهم ، هذا حقهم ، هذا حقهم". اهتز حينها ساركوزي فرحا ورقصت خاصرة الحكومة الفرنسية طربا على مباركة الطنطاوي للتبرج هاجرا الحجاب في المضجع الفرنسي .
وازدادت شهرة نجم الأزهر الساطع في ظلام سماء نيويورك بمؤتمر حوار الأديان حين صافح حبيب قلبه ومهجة فؤاده شيمون بيرز بكلتا يديه بل كاد يقبل وجنتيه لولا تجعدهما ، وكأنه يشكره امتنانا على حصار غزة وقتل نسائها وأطفالها ورجالها وشبابها وشيوخها .
وحين رجع الأسد الطنطاوي الى عرينه الأزهري ، زأر طانزا بانه لم يعرف شيمون بيريز بل أضاف "ولو عملت إسرائيل الحصار واحنا مالنا... لاأعرف أن هناك حصارا على غزة ، دي شغلتي أنا كمان ؟"" . حاشا لله أن يكون شغل نجم الأزهر الشاغل نصرة قضايا المسلمين ، فالمشيخة تقع في مجرة حلزونية تبعد ببلايين السنوات الضوئية عن غزة ومتسضعفي المسلمين في الكوكب الأرضي بدرب التبانة .
وعقب الرسوم المسيئة للرسول (ص) وخلال لقائه بالسفير الدنماركي بالقاهرة بيارن سورنش الذي قدم له اعتذارا عن "أي تصريح أو عمل أو تعبير يشوه صورة الأديان"، طنز شيخ الأزهر طنزة كبيرة هذه المرة مستنكرا "الإساءة إلى الأموات بصفة عامة سواء كانوا من الأنبياء أو المصلحين أو غيرهم من الذين فارقوا الحياة الدنيا". على الأقل الدنماركيون الذين أساؤوا الى الرسول (ص) كانوا يعتقدون بأنه حي في قلوب الناس إلى أن نزل عليهم طنين الطنطاوي بصاعقة لايتبعها مطر وباغتهم بحصاد لايليه لقاط ، بأن الرسول ميت كسائر الأموات !
وحين سئل عن حكم الشرع في مقاطعة المنتجات الدنماركية، حلب الكوميدي الطنطاوي ضرع البقرة الدنماركية مقاطعا السياسة والإقتصاد الإسلاميين : "أنا رجل شرعي ولست رجل اقتصاد ولارجل سياسة.....أنا مش بتاع كلو ".
أما عندما سأله مذيع قناة الجزيرة حول موقفه من أعمال الحفر بجانب المسجد الأقصى ، فجر الطنطاوي عبوة ناسفة كوميدية أخرى في عالم الجهاد الأزهري : "ماذا يحدث ؟ وهل تقوم إسرائيل بالحفر الآن؟...قولوا لهم مايحفروش ... ".
واكتفى الطنطاوي مؤخرا بالقاء السلام من بعيد على حبيب القلب بيريز في مؤتمر كازاخستان لحوار الأديان خوفا من لوم العاذلات وغدر الوشاة .
ولايمانع الشيخ المعمم لباس "المايوهات" على الشواطئ في حضور الرجال والنساء صارخا: "وهي الدولة قالت لكم روحوا ..."
مسلسل الكوميديا عند الطنطاوي لم يقتصر عند الحوادث الطارئة بل تعداه الى الفتاوي الخالدة ، فأباح المعاملات المصرفية الربوية بطلب من جهات رسمية عليا، وأجاز اجهاض المغتصبة ، أما التدخين فحرام على الفقير حلال على الغني ، ولاضرر في تحويل الرجل الى أنثى بشرط الضرورة الطبية ، وأيد توصيات مؤتمر الأمم المتحدة للمرأة المنعقد ببكين الداعية الى حرية الزواج من نفس الجنس ضاربا الآيات القرآنية الصريحة والأحاديث النبوية الفصيحة عرض الحائط .
والكوميدي الطنطاوي لايرفض طلبا لعتبات حسني مبارك الشريفة ، فيصدر فتوى بإحالة أعضاء الجماعة الإسلامية الى المحكمة لعسكرية ، ولايتوانى ثانية في السجود لجنابه تحت سلم الطائرات التي تقل مخرج فتاويه حسني مبارك، ولم يطالب يوما بإلغاء حكم الطوارئ .
وحين أفتى أحد الشيوخ النزيهين القلائل بالأزهر واسمه نبوي محمد العش بتحريم التعامل مع المجلس الانتقالي في العراق ، هرع السفير الأمريكي ديفيد وولش للتمسح بصلعة الطنطاوي عله يستخرج منها فتوى صالحة ، فأيد الطنطاوي حكومة العراق المقامة خلف دبابات الناتو ، بل أصدر قرارا بعزل الشيخ العش الى منطقة نائية عله يعشش هناك .
أما خلال الحرب الأولى على العراق ، فقد أتحفت صلعة الطنطاوي بعض غترات سلاطين الخليج بجواز الإستعانة بالقوات الأجنبية ، فكانت عود الثقاب التي أحرقت العراق وأهله .
وإذا حل شهر رمضان ، أتحفنا الطنطاوي بطلعته البهية وحضرته الزكية في القنوات العربية بفوازير يستخدم فيها عمامته الأزهرية تفوق تعقيدا من فوازير هيفاء وهبي التي تستغل فيها هيافة جسدها . فتارة يقفز من على كرسي البرامج التلفزية ويحرك يديه ذات اليمين تارة وأخرى ذات الشمال ، وتارة يخبط يديه في صدره ليولول ويبلبل أحلى من فيفي عبده، ولكل عمل تلفزيوني أجره . أما إذا ألقى درسا في حضرة جناب مكنى او أمير مفذى فتعداد الحسنات بعشرات الآلاف من الدولارات ، والله لايضيع أجر المحسنين .
ختاما ، شيخ الكوميديا الطنطاوي في حالة صحية خالصة ووضعية عقلية طازجة ، ومن المتوقع أن يكون من المعمرين على خشبة مسرح الأزهر ، ولن يصاب بجلطة دموية أو صاعقة قلبية أو لوثة دماغية أو أزمة نفسية ، لأن أطباء أحوال الأمة اكتشفوا أن الرجل لاغيرة له . المرض الوحيد الذي يعاني منه شيخ الكوميديا هو الحساسية تجاه غبار الصحفيين حين ينفضون أوراقهم ويستنهضون أقلامهم ، فأوجد لهم جنابه الدواء بضرورة جلدهم .
أرجو من الله تعالى أن تلقاكم مقالتي هاته ، شيخنا الكوميدي الكريم ، فتصيبكم الحساسية المفرطة لتمن علينا من خياشيمكم المسدودة و تعطس علينا من نفحات مناخيركم المخنونة ، ودمتم عنوان فرح لهذه الأمة التعيسة وعمامة مرح في سنواتها الكبيسة، وطال ظلكم على العروش وملأ بفتواكم الكروش ، وسادت حكمتم الساخرة وفاضت موهبتكم البارعة حتى نراكم تتبوؤون الدرجات السامية والمقامات العالية مع الممثلين والممثلاث والمضحكين المضحكات في جنة هوليوود .
الجمعة، أغسطس 21
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق