الأربعاء، أغسطس 26

كرامة الرئيس أم مصالح الوطن؟

بقلم: فهمي هويدي
حين خُيِّر الرئيس السويسرى بين كبريائه وبين الدفاع عن مواطنيه ومصالح بلده، فإنه قبل أن يضحي بالأولى ليفوز بالثاني.
حدث ذلك حينما توجّه الرئيس هانز رودلف ميرتس إلى العاصمة الليبية يوم الخميس الماضي 20 أغسطس، لكى يقدم اعتذاره لرئيسها عن احتجاز ابن العقيد القذافي وزوجته في أحد مخافر الشرطة بجنيف في منتصف شهر يوليو عام 2008.
وكان الابن ـ هانيبال القذافي ـ قد استدعي من فندق كان يقيم فيه إلى المخفر، بناء على شكوى قدمها ضده اثنان من أفراد حاشيته، اتهماه فيها هو وزوجته بسوء المعاملة.
استغرق التحقيق مع هانيبال وزوجته يومين، ثم أطلق سراحهما بعد ذلك بعد سداد كفالة قُدّرت بنحو 300 ألف يورو، بعد تسوية الأمر خارج المحكمة. (للعلم: مجلة «فورين بوليس» اختارت هانيبال ضمن أسوأ خمسة من أبناء الرؤساء في العالم).
شرطة جنيف وسلطات التحقيق فيها تعاملت مع هانيبال وزوجته باعتبارهما شخصين وجّهت إليهما تهمة، ويجب التحقيق فيها طبقا للقانون. ولم ينتبه المحققون إلى أن «المتهم» ينتمي إلى عالم يعتبر الحكام وأسرهم كائنات فوق القانون. لذلك فإنه ما إن وصل الخبر إلى طرابلس، حتى اعتبر هذا التصرف «القانوني» عملا عدائيا ضد الجماهيرية العظمى، فقامت الدنيا ولم تقعد، وقرر العقيد أن يثأر لكرامة ابنه، فأوقفت ليبيا إمدادات النفط إلى سويسرا، وسحبت 5 ملايين يورو من ودائعها في بنوكها، وفرضت قيودا على أنشطة الشركات السويسرية وحركة الطيران بين البلدين، كما صدرت الأوامر باحتجاز اثنين من السويسريين في ليبيا بدعوى مخالفتهما لقوانين الإقامة.
وبدا كأن مصالح البلدين وعلاقاتهما باتت مرتهنة لعملية الثأر، التي لم ينقصها لكي تصبح حربا شاملة إلا أن تحرك ليبيا جيشها «ولجانها الثورية» لكي تؤدب حكومة سويسرا وشعبها.
حين راقب الرئيس هانز ميرتس المشهد، وجد أن الجمود أصاب علاقات سويسرا مع ليبيا، وأن الأضرار التي ترتبت على ذلك يجب أن توقف، فهناك مواطنان سويسريان محتجزان في طرابلس. وهناك العديد من المصالح الاقتصادية المعطلة. في الوقت ذاته لاحظ الرجل أن السلطات الليبية مستمرة في تصعيد إجراءاتها ضد بلاده، وأن السلطات في جنيف متمسكة بموقفها فيما يخص الإجراءات القانونية التي اتخذتها. ولم يكن أمامه سوى أن يتدخل بصفة شخصية لكسر الجمود وحل الإشكال، فما كان منه إلا أن تحامل على نفسه وذهب إلى طرابلس، حيث اعتذر لرئيسها، وعقد اتفاقا لتسوية الأزمة وعودة العلاقات المقطوعة بين البلدين، وقضى هذا الاتفاق بإنشاء هيئة تحكيم من ثلاث شخصيات للاطلاع على جميع الأدلة التي لدى الطرفين بخصوص الإجراءات التي اتخذت بحق الأخ هانيبال، وستتولى الهيئة تقييم تلك الإجراءات والتأكد من سلامتها وخلوها من التعسّف ضد الابن المذكور.
الإعلام الليبي اعتبر ما تم «انتصارا»، في حين أن الأوساط السياسية والإعلامية في سويسرا هاجمت الزيارة والاعتذار، الذي اعتبرته «استسلاما مهينا» لـ«راعي الإبل» الليبي،
ورد الرئيس ميرتس في مؤتمر صحافى بأن تصرفه كان الوسيلة الوحيدة لكسر الجمود في علاقات البلدين وإعادة المواطنين المحتجزين في طرابلس، وتأمين مصالح سويسرا التي أضيرت.
ما فعله العقيد القذافي ليس تصرفا استثنائيا في العالم العربي، الذي لايزال منطق القبيلة هو السائد فيه. ولا تختلف في ذلك قبيلة عن أخرى إلا في أسلوب تعاملها مع الآخرين، فقد خاصمت مصر أفريقيا بعد محاولة اغتيال الرئيس مبارك قبل عشر سنوات، واكتشفنا حين أثير موضوع توزيع مياه النيل أن ثمة مصالح حيوية أهدرت بسبب ذلك الخصام،
وأراد الرئيس السادات أن يؤدب القذافي، فأصاب علاقات البلدين بالشلل لأكثر من عشر سنوات أخرى.
وتوترت علاقة إحدى دول المغرب العربي بفرنسا، لأن شقيق الرئيس العربي اتهم بالسرقة وتهريب المخدرات،
ولدىّ قصص أخرى من هذا القبيل يصعب نشرها، لأنها تتعلق بفضائح أخلاقية وجنسية تسببت في الإضرار بمصالح عربية حيوية لا تخطر على البال.
إن السؤال الذي يخطر على بال المرء حين يتابع المشهد هو:
هل يمكن أن يتحامل رئيس عربي على نفسه لكي يفرّج كربة بعض مواطنيه أو ليحل مشكلة لبلاده، كما فعل الرئيس السويسري؟

الجمعة، أغسطس 21

اضحك مع شيخ الكوميديا الطنطاوي !

بقلم: فؤاد وجاني

حين تشتاق نفسي الى الضحك والطرافة و تتوق روحي الى المرح والفكاهة،لا أطالع مقالات الأدباء الساخرة ولا أقرأ نكت المازحين العابرة ولا أرتاد مجالس الظرفاء العامرة فحسب ، بل غدوت أتابع بشوق عميق وميل دقيق كلام بطل الكوميديا الأزهرية النجم الطنطاوي الساطع في الصحف المكتوبة والقنوات المرئية والإذاعات المسموعة .
يبدو أن هذا الرجل القصير القامة ، الفرعوني الهامة ، العظيم المنصب ، الصعيدي المنبت ، ذي العمامة البيضاء ، والوجه المستدير، والجبين المستنير ، والبطن المنتفخة، والعينين الصينيتين ، قد تحول الى كوميدي من الطراز الرفيع، قد نستغني بفتاويه عن شرائط عادل إمام الصاخبة ونكتفي بأحاديثه عن أفلام شارلي شابلين الصامتة .
ماأتعسنا، فمواهب الطنطاوي الكوميدية ظهرت متأخرة بعد أن غمر الشيب شعر رأسه الخفيف، وتمكنت الشيخوخة من أعضاء جسمه النحيف ، ولو أنها ظهرت زمان اسماعيل ياسين لكانت الكوميديا المصرية قد شقت دربا أيسر ونحت منحى أسخر .
لكن السينما المصرية في حالها اليوم لفي أمس الحاجة الى فكاهة من مستوى طرافة كوميدي الأزهر على تقدم سنه وتأخر فنه، علها ترفع من واقعها المتردي وترجع بها الى عصرها الذهبي . فالهزل في شرع الضاحكين خير وإن تأخر، وليس في الإستهتار ضير وإن جاء على لسان عالم الأزهر . فالرجل قد اتخذ من أسلوب الطنز مذهبا ومن مشاعر الناس مطنزا حتى غدا طنازا بدرجة شيخ .
فبالأمس القريب، حين دعا ساركوزي شيوخ الأزهر وعلى رأسهم الطنطاوي للحصول على تأييدهم في قضية منع الحجاب ، طنطن الطنطاوي مشيرا الى أن "الحجاب ينطبق على المرأة في البلاد الإسلامية فقط" ، ودندن أن من حق فرنسا منع الحجاب بل كررها بالثلاث وكأن الحجاب امرأة خيف عليها النشوز فقرر تطليقها طلاقا بائنا مثلثا: "هذا حقهم ، هذا حقهم ، هذا حقهم". اهتز حينها ساركوزي فرحا ورقصت خاصرة الحكومة الفرنسية طربا على مباركة الطنطاوي للتبرج هاجرا الحجاب في المضجع الفرنسي .
وازدادت شهرة نجم الأزهر الساطع في ظلام سماء نيويورك بمؤتمر حوار الأديان حين صافح حبيب قلبه ومهجة فؤاده شيمون بيرز بكلتا يديه بل كاد يقبل وجنتيه لولا تجعدهما ، وكأنه يشكره امتنانا على حصار غزة وقتل نسائها وأطفالها ورجالها وشبابها وشيوخها .
وحين رجع الأسد الطنطاوي الى عرينه الأزهري ، زأر طانزا بانه لم يعرف شيمون بيريز بل أضاف "ولو عملت إسرائيل الحصار واحنا مالنا... لاأعرف أن هناك حصارا على غزة ، دي شغلتي أنا كمان ؟"" . حاشا لله أن يكون شغل نجم الأزهر الشاغل نصرة قضايا المسلمين ، فالمشيخة تقع في مجرة حلزونية تبعد ببلايين السنوات الضوئية عن غزة ومتسضعفي المسلمين في الكوكب الأرضي بدرب التبانة .
وعقب الرسوم المسيئة للرسول (ص) وخلال لقائه بالسفير الدنماركي بالقاهرة بيارن سورنش الذي قدم له اعتذارا عن "أي تصريح أو عمل أو تعبير يشوه صورة الأديان"، طنز شيخ الأزهر طنزة كبيرة هذه المرة مستنكرا "الإساءة إلى الأموات بصفة عامة سواء كانوا من الأنبياء أو المصلحين أو غيرهم من الذين فارقوا الحياة الدنيا". على الأقل الدنماركيون الذين أساؤوا الى الرسول (ص) كانوا يعتقدون بأنه حي في قلوب الناس إلى أن نزل عليهم طنين الطنطاوي بصاعقة لايتبعها مطر وباغتهم بحصاد لايليه لقاط ، بأن الرسول ميت كسائر الأموات !
وحين سئل عن حكم الشرع في مقاطعة المنتجات الدنماركية، حلب الكوميدي الطنطاوي ضرع البقرة الدنماركية مقاطعا السياسة والإقتصاد الإسلاميين : "أنا رجل شرعي ولست رجل اقتصاد ولارجل سياسة.....أنا مش بتاع كلو ".
أما عندما سأله مذيع قناة الجزيرة حول موقفه من أعمال الحفر بجانب المسجد الأقصى ، فجر الطنطاوي عبوة ناسفة كوميدية أخرى في عالم الجهاد الأزهري : "ماذا يحدث ؟ وهل تقوم إسرائيل بالحفر الآن؟...قولوا لهم مايحفروش ... ".
واكتفى الطنطاوي مؤخرا بالقاء السلام من بعيد على حبيب القلب بيريز في مؤتمر كازاخستان لحوار الأديان خوفا من لوم العاذلات وغدر الوشاة .
ولايمانع الشيخ المعمم لباس "المايوهات" على الشواطئ في حضور الرجال والنساء صارخا: "وهي الدولة قالت لكم روحوا ..."
مسلسل الكوميديا عند الطنطاوي لم يقتصر عند الحوادث الطارئة بل تعداه الى الفتاوي الخالدة ، فأباح المعاملات المصرفية الربوية بطلب من جهات رسمية عليا، وأجاز اجهاض المغتصبة ، أما التدخين فحرام على الفقير حلال على الغني ، ولاضرر في تحويل الرجل الى أنثى بشرط الضرورة الطبية ، وأيد توصيات مؤتمر الأمم المتحدة للمرأة المنعقد ببكين الداعية الى حرية الزواج من نفس الجنس ضاربا الآيات القرآنية الصريحة والأحاديث النبوية الفصيحة عرض الحائط .
والكوميدي الطنطاوي لايرفض طلبا لعتبات حسني مبارك الشريفة ، فيصدر فتوى بإحالة أعضاء الجماعة الإسلامية الى المحكمة لعسكرية ، ولايتوانى ثانية في السجود لجنابه تحت سلم الطائرات التي تقل مخرج فتاويه حسني مبارك، ولم يطالب يوما بإلغاء حكم الطوارئ .
وحين أفتى أحد الشيوخ النزيهين القلائل بالأزهر واسمه نبوي محمد العش بتحريم التعامل مع المجلس الانتقالي في العراق ، هرع السفير الأمريكي ديفيد وولش للتمسح بصلعة الطنطاوي عله يستخرج منها فتوى صالحة ، فأيد الطنطاوي حكومة العراق المقامة خلف دبابات الناتو ، بل أصدر قرارا بعزل الشيخ العش الى منطقة نائية عله يعشش هناك .
أما خلال الحرب الأولى على العراق ، فقد أتحفت صلعة الطنطاوي بعض غترات سلاطين الخليج بجواز الإستعانة بالقوات الأجنبية ، فكانت عود الثقاب التي أحرقت العراق وأهله .
وإذا حل شهر رمضان ، أتحفنا الطنطاوي بطلعته البهية وحضرته الزكية في القنوات العربية بفوازير يستخدم فيها عمامته الأزهرية تفوق تعقيدا من فوازير هيفاء وهبي التي تستغل فيها هيافة جسدها . فتارة يقفز من على كرسي البرامج التلفزية ويحرك يديه ذات اليمين تارة وأخرى ذات الشمال ، وتارة يخبط يديه في صدره ليولول ويبلبل أحلى من فيفي عبده، ولكل عمل تلفزيوني أجره . أما إذا ألقى درسا في حضرة جناب مكنى او أمير مفذى فتعداد الحسنات بعشرات الآلاف من الدولارات ، والله لايضيع أجر المحسنين .
ختاما ، شيخ الكوميديا الطنطاوي في حالة صحية خالصة ووضعية عقلية طازجة ، ومن المتوقع أن يكون من المعمرين على خشبة مسرح الأزهر ، ولن يصاب بجلطة دموية أو صاعقة قلبية أو لوثة دماغية أو أزمة نفسية ، لأن أطباء أحوال الأمة اكتشفوا أن الرجل لاغيرة له . المرض الوحيد الذي يعاني منه شيخ الكوميديا هو الحساسية تجاه غبار الصحفيين حين ينفضون أوراقهم ويستنهضون أقلامهم ، فأوجد لهم جنابه الدواء بضرورة جلدهم .
أرجو من الله تعالى أن تلقاكم مقالتي هاته ، شيخنا الكوميدي الكريم ، فتصيبكم الحساسية المفرطة لتمن علينا من خياشيمكم المسدودة و تعطس علينا من نفحات مناخيركم المخنونة ، ودمتم عنوان فرح لهذه الأمة التعيسة وعمامة مرح في سنواتها الكبيسة، وطال ظلكم على العروش وملأ بفتواكم الكروش ، وسادت حكمتم الساخرة وفاضت موهبتكم البارعة حتى نراكم تتبوؤون الدرجات السامية والمقامات العالية مع الممثلين والممثلاث والمضحكين المضحكات في جنة هوليوود .

الجمعة، أغسطس 7

اللغة العربية مسئولية قومية


بقلم :أحمد سويلم


لسنا في حاجة إلي تأكيد قيمة اللغة وموقعها لدي الأمم في إحداث التغيير وإذكاء الروح القومية‏..‏ وتحقيق الأهداف بما تحمله من آداب وإبداعات وأفكار‏..‏ ولابد أننا علي يقين من أن ثورة‏23‏ يوليو لم تأت من فراغ ثقافي‏..‏ فعودة الروح لتوفيق الحكيم‏..‏ وكتابات طه حسين والعقاد والمازني‏..‏ وأشعار شوقي وحافظ وغير ذلك قد قامت بدور كبير في رسم خريطة التغيير الثوري‏..‏ تماما كما حدث في الثورة الفرنسية‏(1789)‏ والتي قامت بعد عصر التنوير ورجاله فولتير وروسو وغيرهما‏..‏ وكما حدث مع ثورة روسيا‏(1917)‏ حيث كانت نتاجا للغة وأفكار بوشكين وجوجول ودستيوفسكي وغيرهم‏.‏ ومن ثم فإن اللغة هي الأداة الأولي للتواصل الاجتماعي‏..‏ والثورات في جوهرها جماعية‏..‏ وكلما استطاعت اللغة حمل الأفكار والقيم والفكر تطور معها المجتمع‏..‏ وكلما تشوهت أو تراجعت تشوه وتراجع معها المجتمع‏.‏

ويشهد واقع اليوم تراجعا خطيرا للغة الفصحي‏..‏ كاد يضعها في إطار ضيق لتعبر عن الفقه والتوحيد والعبادات فحسب‏..‏ وفي هذا هدم للركيزة الأساسية لتراثنا وهويتنا‏.‏ وأحسب أن مظاهر هذا التراجع تتبدي واضحة في لافتات المحلات‏..‏ وإعلانات الشوارع وفي معظم أسماء برامج التليفزيون والإذاعة وكل هذا يخرج علينا باللغة الأجنبية بقصد ملاحقة العصر والعولمة‏..‏ ونري أن هذه الإعلانات والبرامج لا تصنع ثقافة‏..‏ بل تمثل قشور الحضارة‏..‏ وتساعد علي التواء اللسان‏..‏ وفراغ العقل‏..‏ والوجدان‏..‏ كما تتبدي هذه المظاهر كذلك في سيادة العامية ومزاحمتها للفصحي في كل مجالات حياتنا‏..‏

خاصة في وسائل الإعلام‏..‏ وفي خطب وأحاديث المسئولين‏..‏ ونكاد نوقن ان يدا خفية تبغي القضاء علي هويتنا وشخصيتنا‏..‏ تعبث ليل نهار دون ان يردعها رادع‏..‏ وتستجيب لها مؤسسات الدولة دون ان تفكر في النتائج‏...‏ فتمحو في وسائل الإعلام كل ما يتصل بالثقافة‏..‏ وتشجع كل ما يمنح شبابنا فراغا وتسلية واستلابا للغته وهويته‏.‏ وقد يشكو البعض من جمود الفصحي وعجزها عن حمل مضامين العصر‏..‏ وفي الحقيقة تكمن المحنة فينا نحن في كل مجالات حياتنا‏..‏ فبعضنا متعصب للفصحي تعصبا أعمي لا يقبل لها تطورا‏..‏ بل يحتضنها حتي الاختناق ـ ومن الحب ما قتل ـ ولا يكاد يسلم إلا بفصحي الاصمعي أو الحريري أو بديع الزمان‏..‏ وهذه محنة كبري‏..‏ وبعضنا الآخر أمام هذا التعصب‏..‏ ينفلت من اسار الفصحي إما الي عامية فجة تتبدي في الأغاني الهابطة والحديث اليومي‏..‏ والفضائيات التي تدخل كل بيت‏..‏ بل في بعض الصحف التي هجرت عذوبة الاسلوب أو ينفلت الي لغة اجنبية يزهو بها‏..‏ وتصدمنا في كل مناحي حياتنا‏..‏ وتلوث آذاننا وعيوننا ومشاعرنا‏.‏

وقد يتساءل البعض أمام هذه الصورة الواقعية المحيرة‏:‏ هل تهبط الفصحي إلي العامية‏...‏ أم نرتفع بالعامية الي الفصحي‏..‏ وربما لو صيغ السؤال هكذا كان أفضل‏:‏ هل نيسر الفصحي أم نفصح العامية؟

لقد فتحت النهضة المعاصرة باب التواصل مع العالم‏..‏ فحدث ما يشبه التلاقح بين اللغات‏..‏ وهناك محاولات‏(‏ معجمية‏)‏ لتفصيل ذلك‏..‏

بل هناك دراسات تؤكد قدرة الفصحي وسعتها لاستيعاب كل شيء بما فيها العلوم‏..‏ لكن هذه المحاولات المخلصة ـ للأسف ـ تظل حبيسة الأدراج مع أهميتها في اقناع شبابنا بلغته الجميلة‏.‏

ويقول العلماء‏:‏ إن للكلام وظيفتين‏:‏ اسهام اعلامي موضوعي‏..‏ وتواصل ذات يحمل قيم الفكر والثقافة‏.‏

وكما يقال لكل مقام مقال‏..‏ فان الألفاظ بلا شك يتغير مفهومها من عصر الي آخر‏..‏ ومن مناخ لغوي الي مناخ آخر‏..‏ وليس هذا بدعا ليس له سابق‏..‏ فقد فعلت ذلك اللغات الأخري مثل الصينية والعبرية‏.‏ وبقدر ما في الانجليزية‏..‏ فقد أعاد الصينيون النظر في لغتهم وأبعدوا عنها ما يسيمها بالتعقيد فتواصلوا مع العالم وصاروا أبناء دولة كبري‏...‏وأحيا اليهود لغتهم العبرية بعد زمن طويل من الهجر والإهمال وصارت اليوم لغة علي ألسنة الساسة اليهود اعتزازا بها بعد احيائها وتطورها‏.‏

أما حال لغتنا العربية اليوم‏..‏ فهي انعكاس صادق لتفكك الأمة العربية‏,‏ إنها مهددة بالضياع علي أيدينا لأننا أهملنا الحفاظ عليها وتطويرها‏..‏

ومن المعروف ان اللغة العربية واجهت أخطارا وتحديات كبيرة‏..‏ ولكنها استطاعت برغم ذلك الصمود والاستمرار‏..‏ ويذكر التاريخ المعاصر ان مجلة المقتطف‏(1881)‏ كانت قد طرحت فكرة كتابة العلوم بالعامية المصرية‏,‏ فأثارت ضجة في الأوساط الثقافية أبدع علي أثرها حافظ ابراهيم قصيدته الشهيرة‏(‏ العربية تنعي حظها بين أهلها‏)‏ في عام‏1903‏ ـ ودعا عيسي اسكندر المعلوف عام‏1902‏ الي اللهجة العامية ورأي ان الفرق بين لغة الحديث ولغة الكتابة من أسباب التخلف‏..‏

وفي عام‏1945‏ دعا سلامة موسي الي كتابة العربية بحروف لاتينية‏..‏ وأصدر أحمد تيمور‏(‏ معجم الألفاظ العامية ـ ومعجم الأمثال العامية‏)‏ وفعل ذلك أحمد أمين‏...‏ وحاول توفيق الحكيم استحداث لغة‏(‏ وسطي‏)‏ بين العامية والفصحي لكن هذه المحاولات وغيرها باءت بالفشل أمام صمود الفصحي وقدرتها علي استيعاب متطلبات العصر‏..‏ وصدرت القوانين والقرارات التي تحافظ عليها وتحظر كتابة اللافتات بغير العربية وتعاقب المخالفين‏...‏ كان آخرها قانون‏(112‏ لسنة‏2008)‏ الذي جعل مجمع اللغة العربية مسئولا عن حث دور التعليم والإعلام علي استخدام اللغة العربية‏..‏ كما عقدت المؤتمرات التي تطرح هذه القضية‏..‏ وتنفض دون جدية أو تحقيق مستوي أدني من الاهتمام‏.‏

المشهد إذن يدعو إلي الرثاء في وجود هذا التنافس الخطير بين وسائل الإعلام والإعلان في ظل العولمة العصرية ويصبح الخطر ليس ضد الفصحي فحسب وإنما هو ضد القيم والتعليم والثقافة في الهوية والتاريخ العربي‏..‏ ولن ينقذ اللغة قانون يصدر‏..‏ وإنما ينقذها ان تصبح مشروعا قوميا خالصا‏..‏ ينظر الي الهجوم عليه بأنه جزء من المؤامرة علي مقدراتنا وهويتنا‏..‏ وبغير ذلك لن تقوم للغتنا قائمة‏.‏

الثلاثاء، أغسطس 4

كيف لي ..؟

شهد الجراح /كاتبة وأديبة عراقية

(1)

كيف لي

ان اضع اعلان شوقي لك

بلافتة كبيرة اضعها على جدران روحي

بلا خوف من ان يمزقها سلطان العقل ووخز الضمير

الذي يجلدني ..؟

(2)

كيف لي

ان اجهض طفل احلامي بك وانا حامل في شهري الاخير

من الفرح الذي زارني مرة في العمر

وارتكب خطيئته الطاهرة بالتعاطي من بعيد مع امرأة تصوفت بالالم ..؟

(3)

كيف لي

ان اتغاضى عن دعائي اليومي الصادق لك وانا اصلي

وادعو الله ان تكون اسعد من في الارض وتماديت بدعائي حد الانانية ودعوت ان يمنحك سعادة الكون دون البشر

لأدعو الله بخشوع تام واردد

(اللهم هب لي نعمة الصبر والنسيان)

(4)

كيف لي ..

ان اصفع وجه قلبي واقول له

كفى ان تنبض بحبه فهو مجرد رجل مر سهواً في تاريخي

وكيف لي

ان اقنع ذاكرتي ان تمحو صورة وجهك العذب الطفولي الغالي من ارشيفها ..؟

(5)

كيف لي

ان اتطهر من اثم حبك

بالرغم من اني بطهر ونقاء الملائكة

في وقت اضحى به الحب جريمة و في مجتمع

يذبح الحب فيه بسكين عمياء هو مايزال جنين في رحم الاحساس .. !

(6)

كيف لي

ان اقاوم رغبتي الملحة بالتحدث اليك في ليلة

يتلاعب بها الحنين على مساحات قلبي بحرية

وكيف لي

ان انتصر على الخوف من فكرة ان تكون مع امرأة سواي

وكيف لي

ان امزق جلد غيرتي المجنونة عليك

لارتدي بعدها جلد امرأة ثلجية الاحساس ..؟

(7)

كيف لي

ان استوعب صباحاً لايحمل عطر انفاسك

وكيف لي

ان احتوي مسا ءً لايحمل مع نجومه عذوبة روحك

وكيف لي

ان افرح بفجرٍ لا يستيقظ الا على براءة طفولتك..؟

(8)

كيف لي

ان اتجاوز سياج الواقع والظروف

لأكون اميرتك وحدي

وان اشتري مبررات لاهديها بمجانية لكل من يحاول معارضة حبي لك

بالرغم من (شرعيته وقانونيته)

(9 )

كيف لي

ان اتجاهل احساسي بالامومة تجاهك

اتتجاهل الام الرؤم ابنائها ..؟

وانا التي حملتك وانجبتك وحملتك وانجبتك

الى ما لا نهاية من بطن قلبي

وتعمدت في كل ولادة ان اتعسر كي تظل بداخلي اطول فترة ممكنة

(10)

كيف لي

ان اقطع مشيمة الحب بمقص الفراق ..؟

وكيف لي ان انزع روحي من روحي ..؟

وكيف لي

ان اتغابى بشدة على نفسي واكرر عبارة انا لا احبه ولا اكترث به ..؟

وكيف لي

ان اشفى من ادماني على وجودك ..؟

(11)

كيف لي

ان افرح بالمطر بعد الان ونحن لانرقص تحته سوياً

وكيف لي ان انتشي من عطر القصائد

بعدما اصبحت يتيمة من دونك ..؟

وكيف لمشاعري ان تحلف بالطلاق تجاه مشاعرك ..؟

(12)

كيف لي

ان اخرس بكاء الطفلة بي ..؟

وكيف لي ان اقمع المراهقة بداخلي ..؟

وكيف لي ان احاور المرأة المغرورة بأغوار نفسي..؟

وكيف لي ان انصت لنصائح العجوز النكدية الساكنة بجانب عقلي ..؟

وكيف لي ان اكون جادة مع تلك الانثى الحالمة الرقيقة التي تستوطنني..؟

وكيف لي ان اغلق شباك قلبي حتى لا يتلصص بفضول

على مغامراتك..؟

لأصرخ واقول

لا

انا لاافرط بمبادئي و

(كبريائي ..كبريائي ..كبريائي )

الأحد، أغسطس 2

ويسألونك عن الأنْوال ...

بقلم: فؤاد وجاني

حَسْبُك أن تفتش في غرفة ابنك أو ابنتك أو ربما ملابسك أو ثياب زوجتك لتجد قميصا أو ترمق صورة اعتلت جدران بيتك لأحد الثوريين الغربيين من طراز تشي جيفارا أو غاندي ولربما صورة لماركس أو لينين أو شعارا لمارتن لوثر كينغ ، هذا إن حالفك الحظ وكان أهلك من الواعين المستوعبين .
أما إذا خالفك الجد وغدرك النصيب وكان أقرباؤك من الغافلين المغفلين ، فقد تكتشف صورا وعلامات يندى لها الجبين من ماجني "البوب" و"الروك" وسفهاء "الهيب هوب" ومشاهير المستهترين من "البلاي بوي" وشتى متاهات الهز وخرافات الهزج .
وقد يكاد لايخلو محفل تحضره ولايفرغ مجمع تشهده ، أيها العربي المحافظ على أصوله من الإنقراض في زمن الديناصورات الثقافية ، دون أن تلمح أشخاصا من لحمك وجلدك قد اتخذوا أسوة من كل حدب واعتبروا قدوة من كل صوب إلا من تراثنا العربي الحافل وماضينا الإسلامي الزاهر .
ولَئِنْ سألت أولئك أو استجوبت هؤلاء عن الأنوال ، لحدقت فيك العيون الجاحظة وكأنك نطقت بصنف من أصناف البطيخ أو لفظت اسما من أسماء سكان المريخ .
قل هي الأنوال ، معركة الرجال الأمازيغيين في زمن قل فيه الأنذال ، وكثرت فيه الأفعال ، وندرت فيه الأقوال . إنه زمان محمد بن عبد الكريم الخطابي ، وماأدراكم من الخطابي ، أمير المجاهدين ، أسد الريف القادم من قلعة أجدير المحصنة ، حامي الحمى ، قاهر العدى ، بطل الوغى ، راجي الردى ، سليل العلا .
هو من خيب آمال ملك اسبانيا ألفونسو الثالث عشر وقائد قواته الجنرال سلفستري اللذان توعداه جهلا بأن يهزماه ويشربا الشاي المغربي بنكهة النعناع على سفرة مائدته وبعقر داره ، فباغتهما زئير الأسد الخطابي ومن حوله من المؤمنين المجاهدين بأنفسهم وأموالهم ليذيقوا جنود الإحتلال طعم أبوالهم بدل الشاي بعد حصارهم عن مبنع الماء الزلال بمعركة الأسود الأبطال المسماة بالأنوال بثغور شرق الشمال في مدن الحسيمة والناظور وتطوان وشفشاون وجبل العروي ومليلية بالمغرب .
كم رائع أنت ياخطابي في تاريخنا ، وماأحوجنا الى أمثالك في زماننا ، فقد استبدل عرباننا زئير أسد الغاب الثائرة بمواء القطط المنزلية الهجينة . وكم خائبة هي شعوبنا ، وقد أضحت صماء بكماء عمياء ، لاتملك لنفسها زماما ولاتغضب لشرفها إلا لماما.
لن أخوض في حياة الرجل خوضا عميقا ، ولن أعد ملاحمه تعدادا وافيا ، ولن أعرض سيرته عرضا مفصلا، بل أترك تلك المهمة الطويلة المسترسلة لكتب التاريخ ، فأوراق شجر شرق المغرب تذكره ، وسطور يوميات الكرام تحفظه ، وصهوات سلالات الخيل تردده ، وأفئدة المقاومين الأحرار تعهده ، وشرفاء العالم يقلدونه ، وثوار أمريكا اللاتينية يجلونه ، وأسوار الصين العظيمة تعظمه .
يكفيك الذهاب لمنطقة الريف بالمغرب لترى بأم عينك حماسته ينقشها جبل العروي الشامخ على طبيعة ملؤها العنفوان وأصالة مبعثها الإباء . وحسبك زيارة قصيرة لمقبرة الشهداء بالقاهرة ، حيث يرقد جثمانه ، لتسمع بطبلة أذنك روايات القوميين والناصريين والإسلاميين والغيورين والأحرار عن بطولاته الإسلامية وزعاماته العربية .
تاريخ الخامس والعشرين من شوال سنة 1339هـ سيبقى تاجا على رؤوس الأحرار ووصمة عار على جبين المستعمرين الأشرار . إنه تاريخ يذكرنا في كل سنة ، رغم كثرة جحودنا وقلة معروفنا ، بخصوبة الأرض العربية الطيبة المعطاء التي لن تبخل عن مدنا بالثوريين العظماء الواقفين كأسوار قلاع محصنة أمام غزوات الإنتهازيين في كل زمان ومكان ، سواء من داخل البلاد أو خارجها ، فداء لحرية أوطاننا من أكف الإحتلال وبراثن الإستغلال .
الطريق مازال شاقا وعسيرا ، لكن العبرة في الذكرى لأن الذكرى تنفع المؤمنين بوطن حر مستقل قائم على أساس العدل بين الناس ، حدوده من البوغاز الى الفرات ، يملك زمام أموره ولايجرؤ عدو على ثغوره .
ختاما ، قبل أن تلبس قميصا عليه صورة جيفارا أو تعلق صورة لمايكل جاكسون ، تذكر أن رجال أمتنا أطهر وأحق بقميص يسترك وأجدر بجدار يأويك من أي كائن آخر .
وقبل أن تحكي روايات "هاري بوتر" المسمومة لأطفالك قبيل النوم ، تذكر قصصا شفائية من وحي التاريخ الإسلامي كحقيقة محمد بن عبد الكريم الخطابي ، تلك التي تزرع مفهوم الإرادة في نفوس الصغار وتوقد شرارة الغيرة على الوطن في أفئدة الكبار .
وقبل أن تشاهد تفاهات "ستار أكاديمي" أو تستمتع بفقاعات "من سيربح المليون"، استثمر وقتك في متابعة ملاحم آلاف الأبطال من واقع أمتنا ، أولئك الذين قدموا أنفسهم قربانا لحرية هذا الوطن الكريم ، علك تستخلص حكما وتربح عبرا تنفعك حتما في إيقاظ ضميرك وتغيير مصيرك .