الجمعة، يناير 25

ألمح الأنوار وأملح الأخبار في تحريم تشبيه السادة الرؤساء بمعالي الحمير


بقلم: فؤاد وجاني

أيها القارئ العزيز، اكرمك الله بنعمة العقل ، وزودك بمؤونة فقه اللسان، وألبسك تاج التقوى ، وزينك بوشام المعرفة ، وجنبك فساد الأخلاط ، ووقاك عصيان الدهر، وحماك من طغيان الأيام، ووجهك لقبلة الصواب، ورفعك من سلم الرأي لمراتب العزيمة.

أما بعد، فإن في ذكر الحمار لموعظة للذين لايتقون ، و في مدحه لأجرا للمتملقين المتطلعين لخدمة أعتاب جنابه الشريف والحظو بسماع نهيق من أسطوانات خطبه الشجية. و إن في طول أذنيه لعبرة للذين يستمعون القول فيتبعون أسوأه ، وفي ذنبه المواري سوأته لحكمة تسد فاه كل ثرثار لئيم . وإن كان لسانه ينطق عن الهوى ولِصوته صدىً نكير، فإنه يبقى الصامت على غير الحق والصابر على الأذى المكروه والضرب المبروح والحامي لأسرار الفجور.

ومع كل الأسف، فقد انتهى المقام بالحمار الحكيم الى الدرك الأصغر في زماننا الأغبر، فصار شبهة لكل قبيح واستعارة لكل بذيء وعنوانا لكل شتيمة وقذف مغرض ذميم بعد أن كان سلطان زمانه وسيد الغاب الكريم . فقد كان لايخلو كتاب حيوان قديم من حميدِ صفاته وزكيِّ خلاله . وقليلة هي العيون التي لمحت في الحمار حكمة وأبصرت في خلقته جمالا. فلولا جحوظ عيني الجاحظ مثلا، لما مدح الحمار العاقلون وذمه السفهاء الجاهلون.

أما اليوم ، فقد غدا الحمار المسكين عرضة لسخرية العادي والبادي والجاهل والمدعي للعلم على حد السواء . فقد صار كل مسيء ومجرم وسارق وفاحش ومسفر ومذنب ومبغض ورئيس وتابع مرؤوس يُنعت بالحمار ، حتى تعددت أوزار المسكين وثقلت موازينه في دنيانا البائدة. وإن الناس ليرددون كلمة الحمار في اليوم الواحد أكثر من نهيق الحمير ولو اجتمعت كلها في آن واحد.

بل إن اللغة الفصحى نفسها بخست الحمار حقه ، فاعتبرت جمعه غير عاقل وعوضته بضمير مؤنث مفرد رغم فرط ذكائه وسرعة بديهته.

وإني لأستغرب لأعرابٍ يرفعون من شأن بعض القادة وولاة الأمور، فيشبهونهم بالحمير رغم شساعة البيْنِ وفرْط الفرقِ بين أولائك وهذه. فشتان بين الحمار والرئيس ، وبين النور والظلماء ،وبين الثرياوالثرى. وشتان بين نضال الحمار المنهك من شدة تحصيل رزق يومه ، وبين عمالة المتْرف المتربعِ على كرسي عرشهِ.

يكفيك عزيزي القارئ، أيها المولع بالصوت الشجي والمدمن على اللحن الرنان والقادر على التمييز بين ماصلح منه وماطلح ، أن تستمع لخطب أحد الرؤساء وتقارنها بأبغض أصوات الحمير لتجد في النهيق صوتا رخيما يطرب مسمعك ويهيج إرادتك ويوقظ همتَّك . ولَيُحْدِثَنَّ كلامَ الرئيس في أذنيك التهابا و في قرارة نفسك أذى و ليكونن لنشاطك إحباطا و لعزيمتك تثْبيطا. ولن تجد في خطبة الرئيس فصاحة تضاهي إعجاز نهيق الحمار ، ولن تجد في شكله مايغنيك عن جوهره. فالحمار ذو سرج يريح راكبه ، ولجام يسهل قيادته، وذنب طويل يستر عورته. أما الرئيس فذو عقال ينم عن فراغ محتوى رأسه، وغترة لاتميز محياه عن مؤخرة حريمه، وحزام يبرز شذوذ خاصرته . وللرئيس طلعة بهية وظهور في حلة ذهبية وكثرة في البطانة والحاشية ، أما السرج المذهب فلن يجعل الحمار المسكين حصانا. وأول مايلفت انتبهاك ويستفز حفيظتك في هيئة الرئيس بطنته المتفاقمة وسمنته المتفاحشة ، أما الحمار فيعتريه الهزال كلما شاب وكبر.

وقد تنجب الحمارة جحشا وقد تكون عاقرا. لكن نساء الرئيس ينجبن رئيسا ولا يحدث لهن عقم أبدا. فانتصاب سياسة الرئيس ،وإن كان مخصيا، أقوى من شهوات الحمير مجتمعة على شدة هيجانها.

خلاصة القول في تشبيه القائد بالحمار استهتار بمنزلة الأخير وتحقير لمكانته بين عشيرة البعير. ولاأستبعد اتحاد حمير الوطن العربي في جامعة على شاكلة جامعة الدول العربية لممارسة التنديد والشجب والإستنكار والنهيق، ولا أستبعد أن تسن الحمير قانونا يحميها من عنصرية العرب ويرفعها عن منزلة الرؤساء. حينها سوف نضطر الى مقارنة الرؤساء بالديوك، وشرُّ أيام الديك يوم تُغسَل رجلاهُ.

وإلى نهيقٍ لاحقٍ ، والسَّلام.

ليست هناك تعليقات: