سقط القناع في زمن الضباع ، ولولا رحمة ربك لتوقفت عن الكتابة . كدت أقسم برب الكعبة ، وأوشكت أن أحلف بموجه القبلة أن لاأعود للكتابة أبد الدهر، وأن أحبس أنفاسي في قمامة الدنيويين، وأدفن روحي بين الجثث الحية الهامدة، وأبرز عن أنياب الليث المبتسمة.
فمتى كان صداق بناتهم قصيدة ، وأنى استفاقوا على تغريد الكلمة، وبأي عهد صار غذاؤهم كتابا واسم مطعهم متنبيا، صم بكم عمي فهم لايقرأون ، الأكل والنوم والبراز والدريهمات فالجنس حصاد يومهم ، أولئك هم قطعان عرب العشيرة، وأولئك هم المفلحون.
تقمصوا كل الأدوار، قلدوا التماسيح فنجحوا في اصطناع الدمعات ، و عزفوا على القانون فأجادوا لحن الدبكات ، ثم غشت عيونهم رحم الراقصات فأتقنوا لعبة الجنس على فراش الحضارة.
زرعنا فحصدوا ، أنبتنا فأكلوا الأخضر واليابس، وجاع الحر فأكلت العبدة بثدييها.
خذلوا قلب الأصالة بعد وقوعها في عشقنا ، وسكبوا الشعر في الأقداح، وشكروا الفجار في نثر الأمداح، فترنحنا سكارى على مائدة التاريخ، وبئس الندامى.
نصبوا غلاما مخصيا ، وعينوه حاكما وقاضيا واماما والاها فوق كل شبر من رؤوسنا اليانعة ، هاجت شهوة استبداده فراودنا عن أنفسنا ، وأجبرنا على حضور كل دروس الجبر والإقصاء وملازمة دورات الرقابة والإحصاء . تعلم الرماية فرمانا، وأتقن الفروسية فروضنا ، وبرع في السباحة فأغرقنا ، وتعود السياحة فنفانا ، ثم أجاد لعبة السياسة فباعنا بثمن بخس ، وبئس البائع
وخسئ المشتري.
سقط القناع في زمن الضباع، انتحرت هامات القلاع ،غزت خناجر الغدر الفؤاد، انقلبت كل الآيات ، فغدا عاليها سافلها.
وحزنت ياوطني العربي... وبكيت ياوطني ... ملء المحيط والبحر والخليج ، ولاحت التجاعيد في وجهك الكريم ، فاعلنوا احتضارك ياوطني ... آه ياوطني ... آه ياوطني ... ثم آه ياوطني ...
أقبل الغربان بزي التبلد ونية الوثبة ، ونزلوا في الرحب والسعة، تارة زعموا احتراف الطب وتارة امتهان العدالة ، فنهشوا لحمك الحلال ياوطني ... وأقالوا رجولة ابنك عنترة، وافتضوا بكارة ابنتك ليلى ، وزرعوا الحب في جيوبنا، ومزجوا الضباب بأحلامنا.
آه ياوطني ... أياقمري قد طالت بنا صلوات الكسوف، وياشمسي قد سئمنا حمرة الغروب ، وياروحي ... ياوطني ...لاتحزني ولاتكترثي، فلا حياة لمن تنادين الا من رحم الرب ، وتعالي نردد مقطعا من أسطوانة فريد الأطرش : "ياسلام على الليل والجو جميل !".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق