ترتعش الأنامل حين الكتابة إليك ياعراق المحبة وقد أدركت أن كل من تجري في عروقه العروبة متورط في حرب العراق ، فالساكت عن الحق أكبر شيطان أخرس،و لعنة التاريخ ستلحق كل عريق الأنساب وأصيل العروبة لتحوله الى عريق في اللؤم وأصيل في المهانة . تكاد الفصحى تتبرأ من أناملي العربية المسقط فتأبى إلا أن ترتعش لتنهمر الحروف كحبات مطر قد تروي الحسرة الجاثمة على الفؤاد، تتساقط الكلمات أفقيا على الورقة الضعيفة الواهنة كسقوط أرواح الضحايا بين نخيل بغداد، وتتوارى الأفكار خلف ستار المعاني كما يواري الثرى أجساد الشهداء في مقابر النجف وكربلاء ، وقد غاب الفيء عن ديارنا ولفحات شمس الإحتلال تكوي المروءة.
ماأحلى كلمة العراق على اللسان وماأصلبها على الفؤاد ، فهي تارة تؤنث وأخرى تذكر لتبقى ياعراق أبيا صلبا منيعا معافى ورطبا عربيا حالما. قد تعبث الأيادي الملوثة بثرى مجدك ، و قد تمسح أقدام الفيلة آثارك السومرية ، وقد تسلب سفن القراصنة ثرواتك النفطية، وقد يفرقون بين سنتك وشيعتك وكردك ومسيحييك وكلدانييك وصابئتك ، لكن غزوهم الهمجي الأغبر لن ينال ذرة واحدة من تاريخك الحضاري الأعذر.
فلاتحزن ياعراق بعد أن تخلف عن موكب عرشك القواعد ، وغاب عن ليلة عرسك الخيالون ، فقد أطفأوا الشموع التي كنت توقدها ، ووأدوا الخيل التي كنت تسرجها. ولاتحسبن حماتك عربا بل أعاريبا بل أعرابا يصحبون النعاج ويقتفون مساقط الغيث ويدمنون على صلوات الجنازة ويلتمسون الرحمة لأمواتهم خلف أئمة أخصتهم وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية . فهلا تبرأت من عروبتنا ياعراق أمام قاضي التاريخ وقد جلدنا ظهرك ألف جلدة وجلدة دونما محاكمة ؟ أم ترفع يديك الإثنتين دجلة والفرات لتدعو بهما أحكم الحاكمين ورب العالمين؟
ياللمفارقة ياعراق العلم والجرأة، فبعد أن اتهموا كل حلاج فيك بالإلحاد ، وصموا كل ابن تيمية يصلي في محرابك بالإرهاب ، وقد غدا طلب العلم منقصة في زمن جري الناس وراء العيش فيه أصبح كارتياد الماشية للكلأ. فكيف إدراك المنى ولايؤتى البأس إلا قليلا؟
أيا عراق النخيل والفيء والكرم، يامن أجزلت العطاء عن ظهر يد حتى عجزنا عن تعداد جودك ورد جميلك ، لاتؤاخذنا بما بدر عنا واحسبنا من سفهاء التاريخ بل من أنذاله فمهما قلنا أو فعلنا لن نحفظ لك كرامة ولن نصون لك فضلا. فلاشك أن نهاية العالم قريبة بعد أن سمحنا لمن لايحسن لفظ اسمك ولايعلم أسرار مجدك ولايفقه كنوز أدبك ولايحترم رفعة مقامك بأن يحطم أسوار قلاعك ويستبيح عوراتك.
لاتحزن ياعراق بعد أن حل بك الدمار وأنهكك سوء الدار ، فإن أعيادنا قد كثرت وإن شعوب العرب من المحيط الى الخليج تعاني ماتقاسيه الطبول أيام العيد إما على أيادي أحفاد أبي لهب أو أشباه أنصاف الرجال.وقد كادوا لك كيدهم العظيم ليستفردوا بك وينجزوا فعلتهم الدنيئة ليجعلوا من أعلامك بطائحا ومن أشرافك وضعاء ومن سفهائك رؤساء ومن جاهليك علماء .
أيا عراق الحلم والوحدة ، إني أخاف عليك القسمة فإن الغربان تترقب خروج المحتل لتنهش لحمك فيفوز كل غادر منهم بحظه منك فهذه دولة كردستان وتلك جمهورية الشيعة وهذا اتحاد السنة . فوالله إن أسعد الناس حينها الصهاينة لأن الجبن من طبائع الذئاب التي تفضل من الغنم القاصية ولأن أحب الأسماء إلى قلوبهم القسيم ففي تفرق أهلك ضعف ولهم سيادة . لكن الثقة بك ياعراق كبيرة، فأنت العراق ياعراق ،أنت الأرض التي يجوع ذئبها ولايطير غرابها ، الأرض التي أنبتت رسالات السماء ورعت ثمرات العلماء ، الأرض التي تعشق الإختلاف فتصهره لتحوله الى إئتلاف.
قد يطول ليلك الحالك الظلمة وقد تخيم نكهة العتمة لكنها الشمس تغيب عند قدميك لتشرق بين يديك ياعراق ، فسلام إليك ياعريق العروبة ودمت عنوان نصر وفخر واعتزاز .
2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق